نتفق في أن الاستراتيجية الراهنة في التعامل مع قضايا التطرف والإرهاب، هي استراتيجية اللاحسم، ولكن التطرف الذي اعتدنا عليه تاريخياً كان تطرفاً من فكر ولاية الفقيه، وهو الفكر الذي كوّن لأول مرة دولة ثيوقراطية شيعية في التاريخ.
من سلبيات استراتيجية اللاحسم أنها تؤدي إلى زيادة التهديدات، ولذلك تحول التهديد من التطرف الشيعي إلى التطرف السني، وصارت المحصلة النهائية تطرف سني وشيعي من الممكن أن تلتقي أجندتهما معاً فيدخلان في صدام تاريخي مع الدولة، أو من الممكن أن تتضاد هذه الأجندة فتحدث مواجهة مرتقبة بينهما بين الجماعات المتطرفة السنية، ونظيرتها الشيعية.
خيارين لا ثالث لهما إذا استمرت استراتيجية اللاحسم، وكلاهما مكلف للغاية، ويتعلق بمصير الدولة البحرينية، ومن غير المعروف إلى أي مدى يمكن التعامل بنفس الاستراتيجية (اللاحسم) مع هذين الخيارين.
عادة ما تكون هناك مرونة وتغيير في الاستراتيجيات بتبدل التحديات وزيادة التهديدات وظهور أطراف جديدة، ولكن الإبقاء والحفاظ على الاستراتيجية نفسها أمر صعب قد يدفعنا لصراع صفري (أسوأ أنواع الصراعات لأن الجميع فيه خاسر).
شعبياً، يبدو أن هناك عدم اكتراث بتنامي التطرف، وسبب عدم الاكتراث هو اليأس والإحباط من عدم قيام الدولة باتخاذ إجراءات حاسمة، والتزامها بخيار اللاحسم. حتى بات هناك من يسعى لاستغلال الاستعداد للاستحقاق الانتخابي المقبل بالترويج للمترشحين المتطرفين بدلاً من اختيار المترشحين الكفاءات والتكنوقراط.
كان لافتاً خلال اليومين الماضيين عندما تم استدعاء أحد المواطنين بعد أن وجه إساءات يحاسب عليها القانون ضد إحدى مؤسسات الدولة، حيث ساد هدوء مريب شبكات التواصل الاجتماعي، وصارت الحسابات النشطة التي تتعاون مع حساب هذا المواطن هادئة.
التحليل الأولي أن أصحاب هذه الحسابات شعروا بالخطر الذي يمكن أن يواجهوه عندما يتجاوزون القانون. ولكن الهدوء المريب انتهى سريعاً عندما أفرج عن هذه الشخصية، وبدأت الحسابات بالنشاط مجدداً، ولكن بسقف أعلى، وبمطالب غير تقليدية حتى كتب أحدهم: «يجب على شعب البحرين بكل طوائفه وتوجهاته أن يتحد ليفرض مطالبه، فالتضييق على السُنة الإصلاحيين سيستمر والشيعي يسهل تخوينه».
هذا خطاب بسيط لحالة من التطرف السائدة في المجتمع، وهو تطرف ليس بطبيعي لأنه نتاج استراتيجية اللاحسم، فلا غرابة إذا قادت هذه الاستراتيجية إلى التطرف، وتزايد نفوذ شبكة ولاية الفقيه في البحرين، وظهرت خلايا داعش في مختلف المناطق!