في الوقت الذي تمت إعادة من خان الأمانة وغدر بالوطن وترك العمل إلى وظائفهم ومناصبهم، هناك أشخاص دفعوا أرواحهم وانكبوا على حواسيبهم غير مبالين بمخاطر الإرهاب الذي يتربص بهم وبأسرهم انتقاماً وثأراً، فإذا بهم اليوم تقطع أرزاقهم ويطردون من أعمالهم لأنهم كتبوا عنواناً أو نصاً فيه تألم أو تأثر أو أغضب الانقلابيين الإرهابيين الذين استباحوا الأعراض وسفكوا الدماء وتخابروا مع الأعداء، وهم مازالوا كذلك، إلا أنهم عادوا كما كانوا بل زيادة على ما كانوا إلى مكاتبهم بدرجات ورتب ودورات وبعثات لأبنائهم، هذه هي الحقيقة المؤلمة التي يجب أن نتحدث عنها بصراحة، لأن الألم يمتد خاصة إذا كان من يشعر به أولئك الشرفاء الذين ينتظرون دورهم لطردهم من أعمالهم أو منعهم من الكتابة خوفاً على مشاعر من يسفكون الدماء ومازالوا هم كذلك يتوعدون ويتربصون.
اليوم تتكالب الجهات المتآمرة بإعلامها ومحاميها واتصالاتها على معاقبة الشرفاء، متحينين فرصة يحورونها ويحولونها إلى جريمة بحق شخصية أو ازدراء أو ما شابه ذلك من توصيفات، وعلى سبيل المثال الصحافي طارق العامر الذي تم إنهاء عمله بجانب دعوى قضائية تقدم بها محامي الوفاق ضده بتهمة ازدراء طائفة.
نقف هنا عند ازدراء طائفة، وهي ليست كذلك إن رجعنا إلى الحقيقة وقارناها مع جريمة من يتعدى كل يوم على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجاته، فأين الطائفة وأين الصحابة؟ وأين زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وأين مستوى أشخاص عاديين؟ هم ذاتهم يتطاولون بلسانهم وبكتاباتهم على رموز الأمة الإسلامية ورموز البلد ويحقرون شعب البحرين الأصيل ويصفونه بأقبح الأوصاف، أشخاص تعاونوا وتآمروا على وطنهم، واليوم تثار ثائراتهم من عبارة أو جملة طويت مع الصحيفة، في الوقت الذي لايزال إعلامهم يزدري الحكم ويصفه بأشنع الأوصاف ويتعرضون لرموزه بالاسم، دون أن يكون لهم رادع ولا تحرك قانوني لا من دولة ولا من أي شخصية وطنية أو مؤسسة دينية أو سياسية، بل ما يحصل العكس يتم مداهنتهم والتغاضي عن إساءتهم، ولا أحد يعلق أو يرد على ما ذكروه من تطاول في خطبهم وتقاريرهم وبياناتهم، وحتى في ممارسة طقوسهم، والتي لا تحتاج إلى إثبات فهي عبارات وأشعار تعلق لأشهر على أعمدة الإنارة وعلى الجدران تحمل عبارات تتضمن الإساءة وتهدد بالوعيد والانتقام.
هذه هي المصيبة الكبرى عندما يعاقب من دفع سنوات عمره وصحته وضحى بنفسه من أجل دحر الشر والدفاع عن الحق، أما الباطل الذي يعيث في الأرض فساداً وبغاءً فيعود إلى عمله في وظيفة أفضل، والشواهد كثيرة، فمن كان رئيساً صار مديراً، ومن لم يحصل على منصب مدير تمت مكافأته بترقيات وزيادات، فأين بعد هذا يضرب بوجوههم الشرفاء الذين مازالوا حتى اليوم يحتفظون بالعهد وباقون على الوعد، بل زادهم هذا الابتلاء إصراراً ومواصلة على طريق الحق، لأنهم لم يكونوا يوماً منافقين ولا باحثين عن سلطة، بل كان عملهم خالصاً لوجه الله، لذلك لم يهزهم قطع رزق عندما اطمأنوا أن رزقهم بيد الله، ولكن ما يؤلمهم ويؤلم الشرفاء معهم أن يكون جزاؤهم كجزاء «سنمار».
إنها علامة من علامات آخر الزمن، عندما يخون الأمين ويشترى خاطر اللئيم، الذي والله لن يكون شراؤه إلا مزيداً من الأسى والخسران، وكلما تضاعف ثمن شرائه زاد فجوراً، هذا الفرق بين اللئيم والكريم، وهذا الفرق بين الشريف وبين العميل.
وربما يتراجع كثير من الصحافيين عن الكتابة، وذلك عندما يكون مصيرهم الطرد أو المنع من الكتابة، خاصة تلك الأقلام التي دأبت على التعبير بصراحة ودون مجاملة، وذلك لأنها لا تجيد الكتابة إلا بما يمليه عليها ضميرها وتتحدث به مشاعرها، أقلام لم تتعود على الفبركة والتزوير ولا على المداهنة أو كما يقال اللعب على الحبلين.
وما يزيد الألم والحسرة عندما نرى أصحاب تلك الأقلام اللئيمة التي شاركت في المؤامرة الانقلابية، ومازالت حتى اليوم تقود هذا الانقلاب بمقالاتها وأخبارها ومقابلاتها على القنوات الفضائية، رغم فبركتها للأخبار وإساءتها للبلاد في كافة وسائلها الإعلامية، بل كانت هي صوت المؤامرة الرئيس الذي لعب الدور الأكبر إعلامياً داخلياً وخارجياً.
ويبقى السؤال: من الذي يجب أن يعاقب ويحاكم، من دافع بقلمه عن البحرين أم من استخدم قلمه لمحاولة إسقاط النظام؟!