لطالما أذهلتني وردة المحمدي المشهورة عربياً بورد الجوري، تلك الوردة الرقيقة الممتلئة جمالاً وهيبة والتي تغمرك بعطر أسطوري فواح يهاجر بك إلى زمن الأميرات الفارسيات اللاتي كن يغتسلن بماء الورد ويعطرن قصورهن وأسرتهن بأوراق الورد المنثورة في كل زاوية، تلك الوردة الفاخرة القادرة على تحمل قسوة جونا الصحراوي وشمسنا المحرقة، إنها وردة ملكية لا يهمها أين تزرع ولكنها تفرض تقاليدها المخملية في كل أرض تنبت فيها فتتربع على عرشها ملكة لكل النباتات والورود.
يطلق أهل البحرين على ورد الجوري «المحمدي»، وحين تتأمل وردة المحمدي يبهرنا حضورها الأسطوري المفعم نضارة وندى وسط باقي نباتاتنا الصحراوية الصامدة، وتفاجئك تلك الحراسة المشددة التي يضربها الشوك حول سيقان المحمدي؛ فأنت تفكر ألف مرة قبل لمس المحمدي بيديك العاريتين، وتحتال بالمقص أو السكين لتتمكن من قطفها دون أذى ليبقى الشوك في ساق الوردة «المقطوفة» يذكرك أنك لن تنعم بوردة آمنة ولن تمر يداك على ساق ملساء وسطح ناعم!!. فلماذا كل هذا الشوك يا محمدي؟!!!
وردة المحمدي قصيرة العمر يضج شبابها لمدة أسبوع واحد فقط وتموت بعد أسبوعين، وهي لا تعيش بعد قطافها أكثر من ثلاثة أيام.
لذلك تضطر للدفاع عن عمرها القصير بكل ما أوتيت من قسوة، وحين تقع في أسر يد بشرية فإنها لا تتجرد من أسلحتها الشائكة ولا تسلم نفسها للمختطفين لينعموا بجمالها ورائحتها بكل يسر وسهولة. من أراد امتلاك وردة محمدي عليه أن يكون مستعداً لخوض غمار شوكها وتحمل لسعاتها، وردة المحمدي ليست ملعباً للأطفال يعبثون بشجراتها المغرية، وليست في متناول كل من أراد امتلاكها في التو واللحظة. إنها وإن وجدت في كل مكان أياً كان قاحلاً وقاسياً إلا أنها تبقى ملكة متوجة بعرش منيع.
تعلمنا وردة المحمدي أن لكل مخلوق عناصر قوته الذاتية التي تتناسب مع حجمه ومع وظيفته في الحياة، وأننا، نحن بنو البشر، وإن كنا أقوى مخلوقات الأرض إلا أن باقي الكائنات لا تجد بأساً في مناكفتنا ومقاومتنا إن أردنا إيذاءها؛ فالمقاومة فطرة كونية وسنة أرضية لا تعدمها الكائنات. ومفهوم القوة والضعف نسبي في هذا الكون، والقوة حتمية وموجودة بالضرورة عندها جميعا. وأن وردة رقيقة وجميلة مثل المحمدي لن تعيش في محيط يطمع فيها ويرغب في امتلاكها دون حماية، ولن تتنازل عن حياتها للإنسان دون مقاومة.