ما لم تكن هناك معلومات غير معلنة نجهلها كرأي عام فإن التعامل الإعلامي الذي تناول موضوع هجرة العوائل إلى قطر حولها إلى موقف جديد غريب لم يكن موجوداً عند أي من دول مجلس التعاون يعترض على هجرة العوائل واستبدال الجوازات بين بعضها البعض، وهو أمر عادي كان يحدث منذ عشرات السنين ولم يستهجن من قبل ولم يعد خيانة للوطن كما يحدث الآن.
الأمر صيغ بطريقة إعلامية ركيكة غير مهنية وكان حديث المجالس والناس تسأل «شالقصة؟ محد فاهم» لم تنجح البيانات في توضيح مكامن الخطر وأوجه الاعتراض، ثم لحقتها الإجراءات المشددة والرأي العام مازال جاهلاً الأسباب الحقيقية ومكامن الخطر الواقعية.
لن يزايد علينا أحد ولا على موقف أي مواطن شريف في ولائنا للوطن وللدستور وللملك، وتلك هي مرجعياتنا التي نحتكم إليها حين (تحج حجاجيها)، لذلك فإن سبب إثارتنا لهذا الموضوع لأننا نريد أن يوضع حد ويغلق هذا الملف بشكل يعالج (الأزمة) -إن وجدت- لا أن يعالج إعلامياً بشكل يخلق أزمة من العدم، ويفتح باب المتصيدين في الماء العكر في وقت نحن أحوج ما نكون إلى وحدة الصف وتعزيزه سواء كان الصف بحرينياً أو خليجياً.
الإجراءات المشددة التي وصلت إلى التحقيق وتوجيه بيانات لا تتسق مع موضوع «استبدال جوازات» بل تتسق مع حدث جلل، مع خيانة عظمى، مع جريمة لا تغتفر، مع مساس بالأمن القومي، وفي هذه الحالة سنقف سداً منيعاً وجنداً لهذا الوطن، لن نتوانى عن الوقوف من أجل حمايته وصيانته، كائناً من كان مرتكب هذه الأفعال، وإن كان ابناً من أبنائنا، وإن كان من الأسرة الخليفية وإن كان من رجال الدين فلا قداسة ولا احترام ولا استثناء في هذه المواقف، إنما ما هو معلن من بيانات مقتضبة والتي صدرت حتى الآن وحتى اللحظة لم توضح للناس إلا جانباً من القصة، وهو مجموعة من الأفراد أخذت الجنسية القطرية وهذه مسألة ليست بالجديدة، فليست هي المرة الأولى وليست قطر هي الوحيدة التي يهاجر لها أهل البحرين والعكس وهذا هو المهم، فمنذ سنين هاجر العديد من أبناء الخليج ومنهم قطريون إلى البحرين ومازال بيننا من أبناء دول مجلس التعاون من يحملون الجنسية البحرينية، حيث تنتقل الأسر والأفراد ويستبدلون جوازاتهم حيثما (ظعنوا) استبدالاً لوثيقة لا تغير ولا تحرك قيد أنملة من قناعة أبناء هذه الدول بأنهم يتحركون ضمن ولايات واحدة لكيان سياسي واحد وهو الخليج العربي وهو المجلس، ودولنا الخليجية التي تسعى حسبما نعلم إلى الاتحاد ووصلت إلى قاب قوسين أو أدنى منه لم تعترض سابقاً لأنها تعلم أن هذا التغيير لن يغير من كون حامل الجواز بحرينياً أو قطرياً أو سعودياً أو إماراتياً أو عمانياً أو كويتياً، هو في النهاية ابن الاتحاد الخليجي، حتى اللحظة عامة الناس لم تفهم ما الجديد؟ ما هو الأمر المختلف؟ طوال هذا التاريخ لم توجه للذين استبدلوا جوازاتهم كلمة واحدة سيئة ولمن تنقل بين دول المجلس أو اتهم بأنه باع وطنه، لو فتحنا ملف العوائل الخليجية التي تعيش في البحرين وحملت جنسيتها لأخذ منا الأمر أياماً والعكس، بل أصبح العديد من البحرينيين الذين هاجروا وزراء ومسؤولين وبعضهم علم من أعلام الثقافة والفن، ودائماً ما نفتخر نحن البحرينيون بهم وهم يفتخرون بأصولهم البحرينية، فما الذي تغير؟ لقد حول التعامل الإعلامي هذه المسألة إلى جريمة بين ليلة وضحاها ولم تكن كذلك قبل أيام.
منذ البيان الأول الذي صدر ونحن نرى أمامنا بياناً صيغ بطريقة غير مفهومة وكأنه كلمات متقاطعة، وكأنه مطلوب من الناس أن تملأ الفراغ وتتنبأ وتزيد من خيالها الفراغات غير المكتملة، ثم تبعته بيانات أخرى وإجراءات أخرى إلى اللحظة هي غير واضحة الهدف وغير مفهومة المنطق، هل استبدال الجوازات خليجي بخليجي أصبح جريمة وأصبح ممنوعاً فجأة؟ أم إن الأمر مقبول وعادي كما كان سابقاً ولن تعترض الدولة، إنما هجرة هذه العوائل تحديداً ولقطر تحديداً وفي هذا التوقيت تحديداً هو الممنوع؟
لو كان في الأمر مساس بالبحرين بأمنها بدستورها بنظامها السياسي فليتحدث أحد فليوضح فليبين، حينها سنقف جميعاً مع هذه الإجراءات، فكل أمر يهون إلا البحرين، ولن نتوانى بالدفاع عنها، إنما تركها بهذا الشكل الغامض سمم الأجواء داخل البيت البحريني من جهة ثم سممها بين دول المجلس من جهة أخرى، خاصة أن تلك العوائل لها امتدادات في كل دول المجلس، وحتى جماعة الولي الفقيه التي خانت الوطن وظفت هذا الملف لصالحها، فإن لم تكن تلك التداعيات كافية للتوضيح أو لغلق الملف فماذا يكون إذاً؟