مازالت الثقافة الانتخابية لدى شرائح واسعة من مجتمعاتنا العربية متواضعة ولا ترتقي إلى المستوى الذي يؤهلها لممارسة ذلك التعبير والحرية المشاعة، بتفاعل وقناعة تامة واختيار حصيف وإحساس بالمسؤولية، حيث إن هذا الحق الذي كفله الدستور والذي يعتبر أفضل وسيلة ديمقراطية في الأنظمة الحديثة لتشكيل التوليفة المتناسقة في إدارة دفة الحياة وتلبية مصالح الناس والنهوض بها، وإقالة عثرات سلفهم واستكمال ما شيدوه من السور الحصين. إن مسؤولية بث روح الثقافة الانتخابية تتحملها جهات عديدة في مقدمتها الجمعيات والأحزاب التي تتصدر المشهد ثم منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية والتعليمية والمنابر الدينية والمجالس وروادها.
فليس من المعقول أن توقد شموع الانتخابات قبل أسابيع تسبق الميدان الانتخابي وتغص المجالس والخيم بالمفكرين والمنظرين وروادها ثم ما تلبث أن تخفت تلكم الشموع وتنذوي وتوضع في الأدراج لأربع سنوات مقبلة.
نحترم ونقدر ونجل كل المجالس العامرة التي تتولى مسؤولية وطنية في بث هذه الثقافة باستضافة المفكرين ومن لهم باع وخبرة متميزة في عملهم النيابي والتشريعي لكن هذه الممارسة الطيبة في التثقيف لا تغطي بأحسن الأحوال نسبة 10% من مجموع الناخبين، أما باقي الجمهرة العريضة من شرائح الشباب ونصف المجتمع أقصد النساء، فلا تكاد تعلم بما يدور في تلكم المجالس والخيم. هذه هي النقطة المهمة التي أهدف الوصول إليها، حيث إن الوعي الانتخابي هو من يرفع ويخفض نسبة المشاركة فمتى ما استطعنا الوصول لهذه الشرائح وغذيناها علماً وثقافة وقناعة انعكس ذلك إيجاباً على إنجاح هذه الممارسة الديمقراطية.
فــــإن أردنـــا أن نغــــرس شجـــرة الديمقراطية، والتي نأمل منها أن تؤتي أكلها، كان لزاماً على من له الباءة والقدرة من سلطة وجمعيات ومنظمات وأفراد في إشاعة الثقافة الانتخابيـــة أن يتقدمــــوا الصفـــوف ويتحملوا المسؤولية الوطنية في زيادة هذا النوع من الوعي لتأهيل الناخب لأداء دوره بتميز وقناعة تامة وهكذا تتقدم وتتطور الشعوب.
إن تبصير الناخب سيصب بالتالي في اختيار أفضل نخبة من الكفاءات ويستثمر فرصته بمنح صوته الذي هو أغلى وأعلى ما يملكه من الحرية المكتسبة لتؤثر إيجاباً في مكانة وسمعة بلده وتلبية متطلبات حياته ومجتمعه. كثيرة هي الهواجس الانتخابية التي تنتاب الناخب وتؤرقه ليقرر قبل وصوله الصندوق من هو الركن الشديد الذي يسند ظهره إليه؟!
-1 أيمنح صوته لبعض من حاملي لواء الدين من هذه الطائفة أو تلك، مع تقديرنا لدورهم الرائد في تحملهم المسؤولية الشرعية، لكن جلهم معذرة يعزف على وتر حساس ويدركون مسبقاً مدى حب والتصاق الناس بمعتقدهم ومذهبهم وهم خير من يدغدغ مشاعر وعواطف العامة، ثم إن افلحوا حول بعضهم أصلحهم الله المجلس إلى صراخ وشتائم ومحاولة إلغاء كل من اختلف معهم من طائفته ووضع العصي في دواليب عجلة ممثلي الطائفة الأخرى ويخرج الناخب فاضي اليدين ويندب حظه لتغليب عاطفته على عقله؟
-2 أم يمنح صوته لحملة الشهادات العليا والنخبة من الكفاءات وربما بعضهم يبدع في تخصصه، وإن ولج قبة البرلمان ضيع علمه وبحوثه بهجره وعدم تفرغه وضيع ناخبيه بعدم تواصله وإلمامه بحاجاتهم بقلة خبرته الاجتماعية وحيلته؟
«نعم الوطني الغيور ذو الكفاءة والخبـــرة والملـــيء علمـــاً وثقافــــة والمعتدل عقيدة والمنفتح على الحياة هو من يصلح لهذه المهمة الوطنية وهنا تتجلى مسؤولية الناخب في البحث والتقصي».
-3 أم يركن لفلان وربما ليس له حظ من العلم والكفاءة سوى القراءة والكتابة رغماً أن ذلك حق كفله له الدستور، ربما يحصد من الأصوات ما يؤهله توافقاً مع حزبه وكتلته أو إكراماً لأصله وعشيرته، ثم ما يلبث أن يكون ذلك النائب حبيساً لأفكار حزبه وكتلته وضغط شيخه والتحيز لعشيرته؟ وحاشا من الانتقاص من دور الأحزاب والجمعيات والشيوخ والعشائر فلهم كل الاحترام والتقدير، أو القدح من المرشح في تحصيله العلمي فالشهادات العليا هي إحدى ركائز الثقافة، وليست الثقافة بعينها فكثير من حملة الشهادات بارع في تخصصه، ولا يملك الثقافة العامة التي ربما تتوافر عند من يقرأ ويكتب، ومنفتح على المجتمع وخبير بهموم الناخب وتطلعاته.
كل هذه الهواجس هي حالة صحية مشروعة ومن هنا يتضح مدى جسامة المهمة الواقعة على عاتق الناخب، وهي أخطر وأشق من جهد كل المرشحين والأحزاب والجمعيات لأنه بقراره سوف يؤسس قاعدة البيانات وخارطة الطريق التي سيتم بموجبها توجيه وضبط البوصلة لرحلة ربان متمرس ومساعدين أكفاء يوصلون من ائتمنوهم إلى شاطئ البر والأمان.
فالله الله في أنفسنا وبلدنا وأجيالنا، فتكاتفوا وتناصحوا وتحاوروا، ولا تناجشوا ولاتدابروا ولا تباغضوا فتفشلوا وتذهب ريحكم.. إنها أمانة في أعناقنا ناخبين ومنتخبين فلنؤدها بحقها