تعليقاً على بيان الوفاق على لسان علي سلمان بقوله «إذا كان يعتقد الحكم بأنه بالإمكان إغراء المعارضة من خلال تغييرات شكلية في دائرتين انتخابيتين وتقديم وتلويح بإعطاء وزارة أو وزارتين أو أكثر كطعم للمعارضة كي تتخلى عن مطالب وطموح شعب البحرين فهو واهم»، نقول إن مؤسسات الدولة في أي دولة لا تقبل المحاصصة ولا المساومة ولا المجاملة، فهذه هي سمات الدولة التي تزدهر وتستمر وتبقى، وذلك حين تكون المناصب فيها تكليفاً وليس تشريفاً وترضية و«تحيليق»، إنها أمانة جاء بيانها في سورة يوسف في قوله تعالى:«وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكينٌ أمينٌ» –»قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم»، إذاً التمكين للأمين الحفيظ العليم وليس للغادر اللئيم الذي غدر بالبلاد وعاث في الأرض فساداً.
ونربط هنا بين التمكين الإلهي وواقع التمكين لمن انعدمت فيهم الأمانة، لمن سربوا المعلومات والأخبار وعطلوا الأعمال وتخابروا مع الأعداء وهتفوا بإسقاط النظام وخططوا للعصيان، ومازالوا يخططون له، وها هو علي سلمان بلسانه يعلن إمكانية العودة إليه في لقائه مع أهالي الديه في 5 أغسطس 2013، قائلاً: «إن فكرة العصيان المدني هي من أحد الأساليب السلمية، وإن كل أسلوب يحتاج إلى دراسة، وفي البحرين الفكرة موجودة ولكن هناك عوائق عندما دعا الاتحاد العام للنقابات للإضراب وجد أن هناك عوائق، لا بد أن نقرأ إمكانية تطبيق هذا العصيان ونتدارس ما إذا كان ممكناً أو لا»، نعم أن هذه المؤسسات يريدون التمكين منها لإنجاح انقلابهم، وذلك عندما تكون أهم المؤسسات الخدمية في يدهم مثل وزارة الإسكان فتعود مشاريع امتدادات القرى وتسرب الخرائط والعناوين والمعلومات، ويتم التغلغل والتمدد في المناطق السنية، وتفتح لهم الوزارات السيادية حتى لو كان في بعض الأقسام فإن دخول بعض منهم يكفي في الوقت الحاضر حتى يصبح بعدها التوظيف مع مرور الوقت طبيعياً.
وهذا لن يكون مستحيلاً عندما تغيب شروط التمكين الإلهـــي ويستبـــدل بالمحاصصــــات والمساومــــــات والمجاملات وتكون النتيجة ضياع الدولة وذهاب هيبتها وتغير أحوالها وضياع أهلها وتشتت شملها وتفتت هويتها، كل ذلك نتيجة الممارسات التي يمارسها أولئك الذين أعلنوا الكراهية الظاهرة للشعب والحكم، وسيمارسونها بقوة أكبر عندما يدخلون في الصلح، حين تدين لهم الدولة بالعرفان والامتنان بقبولهم الدخول في البرلمان، فمن بعدها يتصدى لهم أو يحاسبهم أو يلفت نظرهم، وخصوصاً عندما يكون هناك في موقع متقدم في السلطة منهم، أو يكون على رأس مجلس الشورى المقبل، رئيس خبيث النفس، يمكر علانية ولا يهمه النقد، ولا يخاف على منصبه وكرسيه، لأنه مقرب، برغم مواقفه المعادية للدولة.
نعم هذا الكلام ونتمنى أن يكون مجرد هذيان، لا يكون فيه شيء حقيقة، ولكن نقوله من هاجس يعتمل في النفس، ومن ألم وخوف على هذه البلاد، التي يتربص بها أعداء الداخل قبل الخارج، هؤلاء الأعداء الذين يعدون ويستعدون مثلما استعد ابن العلقمي، وأعد وجهز البلاد حتى جاء التتار على الرحب والسعة واحتلوا بلاد العراق من كل جهة وذبحوا أهلها بعدما أضعف الجيش، وغتر على الشعب، ودنا المستشار المنافق الذي أظهر ولاءه للدولة، وبطن عداءه، ثم حدث للبلاد ما حدث من خراب ودمار.
إن المنهج الرباني في تولي الخلافة على عباده هو الذي يبقي الأسرة ويبني المجتمع ويؤسس الدولة، أما المنهج الوفاقي الذي يتخذ الكراهية والحقد والانتقام والثأر مبادئ وقيماً، هذا المنهج الذي يريد أن يسلب كل شيء في الدولة من أرض وثروات ويكون هو صاحب القرارات، فإنه منهج إن سمح له بالنفوذ والله لن تكون العاقبة محمودة، فقد تم تجربتهم وتجربة أمثالهم في العراق ولبنان وسوريا، إذن العرض إن كان صحيحاً فو الله لن يستقيم أمر ولن يطيب لأحد مقام، فإن ما حصل وجرى إن كانت الدولة قد نسته أو تناسته فهو محفور في الذاكرة حتى يوم البعث، ولا يمكن القبول مرة أخرى بتجربته، لأن ما حصل ليس بهين ولا لين بل عاشه شعب البحرين الذي منع من العلاج وتقطعت به الطرق ومازال يعيش ضيمه في كل مؤسسة وكل إدارة هم فيها، هذا الإحساس والألم لا يمكن أن يشعر به إلا من عاش مرارته ونحن عشنا مرارته ولا يمكن أن نرى مؤسسات الدولة توكل إلى من غدر بالبلاد وهتك أعراضنا وهدد أبناءنا ومازال يتوعد حتى اليوم بالثأر.
فإنها والله مصيبة حين تصبح خزائن الأرض وأهلها مجرد «طعم» للئام.