تكفي أن تكون التجارب البشرية وحدها، خير مدرسة وخير معلم للإنسان، فالتجارب التي مضت قبلنا وإن كانت تمثل بالنسبة إلينا تاريخاً أو ماضياً، إلا أنها تظل مصدر إلهام دائم، سواء فيما يتعلق بالاستفادة من نجاحاتها أو فشلها، وفي حال تجاهل الإنسان كل التجارب التي سبقته أو التي مرت بجواره وفي حياته، فإنه سيظل يعاني أشد المعاناة من تكرار الأخطاء، بينما كان باستطاعته تجاوز كل المحن والآلام.
بعد إرهاصات دموية وعبثيات فوضوية مرت بها منطقتنا العربية وما زالت مستمرة حتى هذه اللحظة، تحت ما يسمى بالربيع العربي، نجد أن أبناء هذه المنطقة لا يعيرون التجارب والدروس أي اهتمام، وكأنهم يريدون أن يكرروا الفشل والصراعات المتلاحقة بطريقة متعمدة، وذلك لإضاعة الوقت، وقتل كل فرص الحل، وبهذا فإن منطقتنا تفشل مرة أخرى في استغلال عامل الزمن، لتنتج الأخطاء تلو الأخطاء، دون استثمار التجارب السابقة والحالية في سبيل تصحيح مساراتها نحو البناء.
اليوم، هنالك القليل من العرب من يريد مجاورة النجاح والاستفادة من واقعنا المرير وتجاوز صراعاتنا التي لا طائل من ورائها سوى مزيد من الموت والعدمية، بينما غالبية دول وشعوب المنطقة لا ترغب في أن تكون لها بصمة واضحة في تجاوز الأخطاء، بل تريد خوض تجربة الآخر بكل تفاصيلها، وبهذا فإنها تقع في أخطاء غيرها شاءت أم أبت!
في الوقت الذي تتعرض له دول الخليج العربي من استهداف واضح من قبل جهات كثيرة، نجد أن بعضاً من دول وشعوب هذه المنظومة الخليجية تتمسك بخيار ممارسة الأخطاء، وتصر كل الإصرار على أن يكون لها دور سلبي في هذا الأمر، بينما هنالك الكثير من الفرص الحقيقية لتعزيز وتكريس مفاهيم جميلة جداً، كتسكين قيم الديمقراطية والحرية والشراكة الوطنية في أوساط المجتمعات الخليجية، ومع كل هذه الفرصة السانحة للتغيير الإيجابي، نجد أن هناك من يسعى عبر مشاريع تخريبية لضرب كل مشروع نهضوي يتطلع للتغيير ونشر الوعي من خلال استثمار تجارب الآخرين، والتخلص من كل حالات الاحتقان السياسي والديني والطائفي عبر بوابة الأوطان والإنسان.
ستظل التجربة الغربية واليابانية بعد الحرب الكونيتين، وربما معهما كل من التجربة الكورية الحديثة وكذلك بعض النماذج المتطورة حديثاً كالتجربة الماليزية والهندية والصينية، مدارس لكل العالم يجب الالتحاق بركبها، خصوصاً الذين فشلوا في تثبيت قواعد كانت يجب أن تكون راسخة منذ أكثر من نصف قرن، وتأسيس أوطان تقوم على التنمية المستدامة وبناء قواعد صلبة للبنى التحتية، وفتح طرق معبدة للديمقراطية والحرية والشركات الوطنية والإنسانية. لكن لأننا رفضنا الاستفادة من تجارب الآخرين، كان لزاما حينها أن نقوم بتكريس قيم خاطئة وخطيرة، كالديكتاتورية والمذهبية والفئوية وإلغاء الآخر وتبني قيم العنف والتَّوحُّش في مجتمعات متوترة وغير سوية في استيعابها تجارب ناجحة وجاهزة وناجزة.
من الضروري لمجتمعاتنا ودولنا في الخليج العربي، أن ينهضوا جميعهم من جديد عبر الاستفادة من كل التجارب السابقة والحالية للدول والشعوب الأخرى، وأن يركلوا خلفهم كل قيم التخلف والرجعية في سبيل بناء نهضة إنسانية تضم في أحضانها كل إنسان ينتمي إلى آدم، وهذا وحده يكفي في أن يكون من أكبر المشتركات الإنسانية بين شعوب ودول لها أكثر من مشترك في الأصل.