لا.. لا يشكونها وإنما يشكون منها، هذه حقيقة يعلم بها كثيرون ولكن لا يحبون التطرق إليها؛ البعض كي لا يتهم بالادعاء بسبب اختلاف الانتماء المذهبي، والبعض الآخر -بسبب الانتماء المذهبي- كي لا يفتح باباً ربما كان الأفضل تركه مغلقاً، ذلك أن فتحه في هذه المرحلة بوجه خاص قد يفتح أبواباً تتسبب في شق الصف. لكن الأكيد هو أن كثيرين ضاقوا من الوفاق وطريقة معالجتها للموضوعات وصاروا يتهمونها في السر بأنها وراء تخريب بيوتهم وتخريب العلاقة بينهم وبين الدولة، حتى وصلوا إلى الحال التي صاروا فيها الآن فتضرروا وتضرر عيالهم.
قبل أيام كنت أتحدث مع أحد المواطنين من الذين كانوا متحمسين للوفاق وما تطرح وظل لفترة يدافع عن توجهات هذه الجمعية، وإن لم يكن عضواً فيها، فهو من مناصريها والمروجين لفكرها لأسباب مذهبية بحتة، ويبدو أنه كان يعتقد أن الوفاق سترتقي بشؤونه المعيشية من خلال نشاطها. قال لي إن هذه الجمعية أساءت لنا من حيث لم نتوقع، واليوم صارت الأبواب مغلقة في وجوه عيالنا حتى لو أعلنا أننا ضد الوفاق ولا نوافق على ما تطرح؛ بل صار يكفي أن يعرف البعض أنك تنتمي إلى المذهب الذي تنتمي إليه الوفاق ليتم التحسس منك والتشكيك في نواياك وما تقول.
هذا الكلام سمعته من العديد من الأشخاص من بينهم شخص خدم الدولة طويلاً، قال لي إنه قال لأمين عام الوفاق إن كل هؤلاء الذين تضرروا في ذمتك وأنك المسؤول عن كل هذا الذي حدث ولايزال يحدث. وقال إنه نصحه وجمعيته بالعمل بواقعية وترك الأحلام والطموحات الشخصية جانباً.
اليوم صار أتباع أحد المذهبين الكريمين يعانون من مشكلات اجتماعية واقتصادية ومستقبلية، حتى الذين لا يوافقون الوفاق على ما تعمل والذين لم يساندوها حتى في «بنك» الأزمة ورفضوا طرحها ومعالجتها، بل حتى الذين كانت لهم طوال حياتهم مواقف وطنية وقدموا خدمات جليلة للدولة، حيث الضرر طال كل المنتمين إلى هذا المذهب، وهذا خطأ استراتيجي من الواضح أنه لم يخطر على بال الوفاق عندما خططت لما قامت بتنفيذه وستكون هي المتضرر الأكبر.
قبل وقت وجيز عبر البعض عن عدم رضاهم من الوفاق وما تعمل، اليوم بدأ البعض يعبر عن غضبه منها، لكن غداً سيمتلئ بتعبير مختلف لن يرضي الوفاق ولن يسر من يقف وراءها، فالمواطنون الذين خسروا الكثير بسبب اعتبار الوفاق نفسها ممثلة عنهم غصباً عنهم لن يستمروا في السكوت والقبول بالخسارة ولن يقبلوا رؤية مستقبل أبنائهم وهو يضيع أمام أعينهم لأنهم بسكوتهم يجنون على أنفسهم وعلى عيالهم وعلى مستقبلهم جميعاً، خصوصاً إن توسع الشرخ الاجتماعي واستمرت الأزمة أو بقيت تتناوب على الحلول الترقيعية.
اليوم على الوفاق مسؤولية وطنية ومجتمعية ومذهبية لا يمكن الهروب منها، فهي المسؤولة عن كثير مما حدث ويحدث، ومثلما كانت سبباً في تضرر الناس فإنه عليها أن تقود عملية تخليصهم من الضرر وإلا تكون قد جنت عليهم وعلى عيالهم.
ربما ليس كل ما قامت به الوفاق كان بقرارها، ولكنها تظل هي المسؤولة عما أصاب المواطنين وغير المواطنين من المنتمين إلى المذهب الذي تنتمي إليه ووكلت نفسها محامية عنه وعنهم من دون أن تحصل على موافقتهم.
المواطنون الشيعة تضرروا كثيراً بسبب ما قامت به الوفاق ولاتزال، وهذا الضرر يشمل من صاروا يعرفون بائتلاف فبراير الذين زادوا الطين بلة برفعهم شعارات مذهبية ضيقة بعدما لمسوا الضرر الذي أصاب المنتمين إلى هذا المذهب نتيجة مواقف الوفاق وتقديم نفسها على أنها المدافع رقم واحد عن الشيعة وحاملة لوائهم.