حسناً فعلت جمعيتا المنبر التقدمي الديمقراطي والعمل الوطني الديمقراطي (وعد) عندما أعلنتا أنهما لن تخوضا الانتخابات، فهذا يؤكد أن اليسار قادر على قراءة الساحة بشكل جيد ويدرك أنه لا حظوظ له حتى لو دفع بأقوى العناصر لديه، فاليسار في البحرين يعاني اليوم من قلة العدد ومن قلة الحيلة والناصر، ولن يجد مرشحوه من الأصوات ما يؤهلهم لمنافسة أضعف المرشحين وأقلهم حظاً؛ بل إنه قد لا يحظى حتى بأصوات اليساريين الذين يبدو أنهم يعيشون صحوة دينية، وبالتأكيد لن يتم انتخابهم حتى من الوفاقيين الذين يطبقون في الانتخابات نظرية «نفسي نفسي» لو كانوا قد قرروا المشاركة، فهم لا يمكن أن يتنازلوا عن أي دائرة مضمونة من دوائرهم أياً كانت الأسباب، بل لا يمكن أن يعطوا أصوات أي دائرة لأي آخر لو كان أحد المرشحين فيها مرشحهم بالوكالة.
إعلان الجمعيتين عن عدم مشاركتهما في الانتخابات المقبلة إعلان بانتهاء اليسار واعتراف بأنهما لم يعد لهما أي تأثير في الشارع، وأنهما لهذا السبب لصقتا في جمعية الوفاق طوال الفترة السابقة، فإن تظل مؤثراً في الشارع سنيناً طويلة وتحفر في التاريخ بيدك وبأسنانك ثم تلجأ إلى حضن الوفاق التي تتناقض معك في كل شيء وتسلمها «الخيط والمخيط»، فلا تفسير له سوى أنك قررت أن ترفع الراية البيضاء.
كل المبررات التي أوردتها الجمعيتان في بيانيهما لا قيمة لها ولا تعني سوى أنهما قررتا الاعتزال، فليس بعد وضع بيضهما كله في سلة الوفاق غير الانسحاب والإعلان بهدوء عن انتهاء مرحلة مهمة من مراحل النضال الوطني كانتا شعلتها.
قبل أن تعلن الوفاق رسمياً في مؤتمرها الصحافي الأخير قرارها بمقاطعة الانتخابات النيابية والبلدية ظن البعض أن إعلان الجمعيتين اليساريتين عن عدم مشاركتهما في الانتخابات هو للتمهيد لإعلان الوفاق قرارها بالمشاركة ولمساعدتها على توفير المبررات التي تتوقع الوفاق أن تحميها من غضبة ائتلاف فبراير الرافض تماماً لفكرة المشاركة في الانتخابات، والذي لايزال يرفع شعار إسقاط النظام، حيث يمكن للوفاق في هذه الحالة أن تقول إنه ينبغي ألا يترك المجلس للآخرين الذين ينتمون إلى تفكير واحد فيخلو من المعارضة تماماً وتتضرر ومن ثم يتضرر الجمهور الذي لا يمكن تحقيق أي مكاسب له خارج المجالس التشريعية.
لكن طالما أنه تبين أن هذا الظن لم يكن في محله فإن التفسير المنطقي لقرار الوفاق مقاطعة الانتخابات هو أنها لم تتمكن من إقناع ائتلاف فبراير بأهمية المشاركة فيها، وأنها تجنباً لخسارة أكبر هي حرمانها من ممارسة دورها في الساحة بل شطبها رأت أن الأفضل هو الاستجابة لرأي وقرار الائتلاف.
كان ائتلاف فبراير قد هدد الوفاق بطرق عديدة بطردها من الساحة إن قررت المشاركة في الانتخابات، ولأن الوفاق تعلم جيداً أن الائتلاف هو المسيطر على الشارع وهو الذي يحرك الجمهور الذي صار يستجيب له ولا يستجيب للوفاق إلا إن كانت تدعو إلى ما يدعو إليه الائتلاف لذلك لم يكن أمامها سوى اتخاذ قرار المقاطعة الذي يظل بالنسبة لها أفضل من قرار شطبها.
المثير في الأمر هو أن الوفاق هي التي أوجدت ائتلاف فبراير، لكنها فوجئت به يصير أقوى منها بعد أن سيطر على عقول الصغار الذين ينفذون كل ما يريده منهم من دون مناقشة، حتى صار هو المسيطر على الساحة وعلى الوفاق.
ما أراه هو أن الوفاق لا يمكن أن تخالف ائتلاف فبراير لأنه يستطيع أن يمحيها بإشارة منه، ويكفيه لو قررت المشاركة في الانتخابات -وهذا في واقع الأمر رغبتها- اتهامها بالخيانة كي ينفض الجمهور عنها، فالجمهور «الثوري» اليوم في يد الائتلاف وليس في يد الوفاق.