المثير في أمر إيران أنها تكرر دائماً قولها بأنها تعمل على تنقية الأجواء وإزالة أسباب الخلافات. تعطي الآخرين من طرف اللسان حلاوة لكنها من الناحية العملية تحيك المؤامرات ضدهم وتسيء إليهم، ولا يفضحها سوى زلات اللسان التي تكشف جانباً من مآربها وتبرز ما تحمله في داخلها من حقد على المنطقة وقادتها وما تخطط له، فهذه الدولة لاتزال تعيش حلم الماضي، ومن الواضح أنها قررت أن يكون لها شأن في المنطقة وتأمل أن تكون صاحبة اليد الطولى والكلمة الأولى، خصوصاً بعد التنازلات الكثيرة التي قدمتها دول الغرب فيما يخص برنامجها النووي.
لعل أبسط مثال على هذا هو محاولة التدخل في حكم صادر بالإعدام على مواطن سعودي يظل في كل الأحوال شأناً داخلياً، بينما ترفض أن ينتقد الآخرون حكماً بالإعدام أصدرته على مواطنة إيرانية قتلت ضابطاً حاول اغتصابها. أما ما تقوم به في لبنان وسوريا والعراق واليمن وباكستان وفلسطين والسودان وغيرها من الدول فحق ينبغي ألا يحرمها منه أحد بل لا تقبل أن ينتقدها أحد بسببه.
التناقض الذي تعيشه هذه الدولة، والتي يزداد يوماً بعد يوم عدد رافضيها من مواطنيها، الذين حولتهم إلى بيادق تحركهم كيف تشاء ووقت ما تشاء يجعل الآخرين يرتابون في كل تحركاتها وأقوالها فلا يثقون فيها، خصوصاً وأنه صار للجميع تجارب مرة معها. و«المرادم» التي ترميها بين فترة وأخرى من دون أن تحسب أي حساب حتى للذوق العام، وآخرها تعليق رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني بروجردي على تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والتي تناول فيها شخصه تكشف عن أمور صار لا بد من دراستها وتحليلها ليعرف العالم هذه الدولة على حقيقتها.
تصرفات إيران وتخبطها يجعل دول المنطقة ترتاب منها وتعتقد أنها تبيت النية لتحقيق تلك الأحلام التي يفترض أنها دفنت منذ زمن، حيث تدخل إيران في كل تلك الدول، خصوصاً الأخير في اليمن الذي يقترب من الوقوع في براثنها، يدفع نحو الاعتقاد بأنها تنتظر الفرصة لتنقض على البحرين التي ظلت تردد طويلاً أنها تابعة لها وأنه طال الزمان أو قصر لا مفر من عودة «الفرع إلى الأصل»، وإلا لماذا كل هذا الدعم لجمعية الوفاق وائتلاف فبراير وكل من يعبر عن ضيقه من الحكومة هنا؟
قبل أيام صرح بعض المسؤولين الإيرانيين بما معناه أنه لولا الدعم الذي قدمته إيران لغزة لانتهى أمرها منذ زمن، فإيران اعترفت بأنها قدمت المال والسلاح والخبرات بأنواعها لغزة، لذا تمكنت من الصمود لخمسين يوماً في وجه إسرائيل وقوتها الضاربة، تماماً مثلما قدمته ولاتزال لحزب الله في لبنان ولبشار الأسد في سوريا وللحوثيين في اليمن ولغيرهم في بلدان أخرى. هذا يؤكد أنها «ما تقصر» أيضاً على «المعارضة» البحرينية الممثلة في جمعية الوفاق وائتلاف فبراير وممثليهما في الخارج من الذين لم يعودوا يجدون الحرج من التصريح بأنهم مع إيران قلباً وقالباً ويدعونها لنصرتهم.
إيران تهدد حاضر ومستقبل المنطقة، وتهدد وحدة شعوبها، وتهدد نماءها واستقرارها السياسي والأمني. إيران تريد أن تفعل في المنطقة ما يحلو لها أن تفعل لتسيطر عليها، إيران تريد أن تتدخل في شؤون الآخرين ولا تقبل من الآخرين تناولها بالنقد. إيران تريد أن تدعم كل القوى المتطرفة وتزعزع الأمن في كل الدول التي اختارتها هدفاً ولا تريد من الآخرين حتى أن يعبروا عن رفضهم لتدخلها السافر في شؤونهم.
طبعاً لن نقول إن إيران كانت وراء اتخاذ جمعية الوفاق وتوابعها قرار مقاطعة الانتخابات النيابية والبلدية، فلعل هذا يدخل في باب «تنقية الأجواء وإزالة أسباب الخلافات»!