خلال أسبوع واحد فقط، حدث تحول هائل في مواقف المجتمع الدولي تجاه البحرين والأوضاع الداخلية فيها بعد عمل استغرق أكثر من ثلاث سنوات من العمل المضني والدبلوماسية واسعة النطاق. فلماذا تغيّرت مواقف العالم تجاه البحرين؟
في الأيام الماضية صدرت مجموعة من المواقف اللافتة بدءاً من الاتحاد الأوروبي الذي دعا المواطنين إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة بإيجابية، وعبّر عن خيبة أمله في مواقف عدد من الجمعيات السياسية التي أعلنت مقاطعتها للعملية السياسية ودعاها إلى مراجعة مواقفها. بالإضافة إلى مواقف منفردة صدرت عن بعض العواصم الأوروبية مثل لندن وبرلين وباريس وكلها داعمة للعملية السياسية وتؤكد ضرورة انخراط كافة القوى السياسية ومكونات المجتمع فيها. بعدها صدر موقف آخر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أشاد فيه بدعوة جلالة الملك للانتخابات البرلمانية وحث المواطنين على المشاركة فيها بشكل واسع. وأخيراً صدر بيان خاص عن بابا الفاتيكان يشيد فيه بأجواء الحريات الدينية والتعايش السلمي السائد في مجتمع البحرين.
هذا موجز مختصر للتحولات في المواقف التي تمت في أقل من أسبوع، وهي مواقف مغايرة كلياً للمواقف التي كانت ضد البحرين بعد أحداث 14 فبراير 2011. لفهم هذه التحولات لابد من استيعاب مجموعة من الحقائق تبيّنت للمجتمع الدولي تدريجياً، وهي كالآتي:
أولاً: أن مجتمع البحرين مجتمع تعددي، ولا يمكن اختزاله في جمعية سياسية أو طائفة دينية أو مذهب أو حتى دين واحد بسبب خصوصية المجتمع التعددية التي تميّز بها طوال قرون. وهذه الحقيقة تعني أن أي تفاهمات أو ترتيبات داخل النظام السياسي البحريني لا يمكن أن تفرض من الخارج، أو تفرض من قوى سياسية معينة، بل يجب أن تكون داخلية المصدر وتوافقية بالدرجة الأولى.
ثانياً: أن المطالبات بـ «الإصلاحات السياسية» التي تحاول بعض القوى السياسية الخروج بها هي غير واقعية، بل هي غطاء لتحقيق مجموعة من الأجندة السياسية المرتبطة بالخارج، وتحديداً مع طهران التي لا ترغب بعلاقات مستقرة مع دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها البحرين.
ثالثاً: هناك قوى سياسية لا ترغب بالتوافق والتفاهمات من خلال آليات الحوار السياسي الذي تم عبر ثلاث آليات وخلال السنوات الثلاث الماضية دون جدوى بسبب مواقفها المتزمتة القائمة على نفي وإقصاء الآخر، وعدم احترام آراء الآخرين ومصالحهم، بل تقوم على التشدد في الطرح والمواقف وتغليب الأجندة الخاصة على العامة.
رابعــــاً: الإصلاح السياســي والتحـــول الديمقراطي في البحرين خيار لا يمكن التنازل عنه لأنه التزام جماعي من كافة الأطراف والقوى السياسية على المضي فيه في إطار زمني مفتوح بعد التوافق التاريخي من خلال ميثاق العمل الوطني الذي حظي بأغلبية مطلقة من الشعب.
تلك حقائق مهمة للفهم والاستيعاب، ونأتي الآن إلى الجهود التي قامت بها المملكة خلال الفترة الماضية لتغيير المواقف الدولية ولن نتطرق فيها للدبلوماسية الشعبية التي كانت فاعلة، بل سنتحدث عن الدبلوماسية الرسمية التي قادها جلالة الملك على مدى ثلاث سنوات بقناعة وثبات، فهي دبلوماسية اعتمدت على تحقيق النتائج خلال المدى المتوسط، وقامت بإحداث نقلة في العلاقات الخارجية للبحرين من الغرب إلى الشرق من أجل التوازن مع التحولات الواسعة التي يشهدها النظام الدولي، حيث لم تتوقف الزيارات الرسمية لبلدان الشرق، وكذلك تفعيل برامج الدبلوماسية الإنسانية حول العالم وإنجازاتها مازالت قائمة حتى نالت المملكة مناصب رفيعة في مجلس حقوق الإنسان، وحظيت بدعم قوى من بلدان الشرق انتقلت مؤخراً إلى بلدان الغرب من جديد.
التحدي الأكبر الآن هو كيفية الحفاظ على المواقف الإيجابية تجاه المملكة دولياً، وهو تحد كبير يتطلب جهوداً أكبر من الجهود التي تمت خلال الفترة الماضية، ولا يمكن اعتبار ذلك خياراً بل مسؤولية وطنية.