تحت هذا العنوان خزنت في ذاكرتي اسم الروائي والكاتب البحريني المتميز الراحل عبدالله خليفة، فقد كان قليل الكلام وكان يستعيض عن ذلك في الغالب بابتسامة توصل متلقيها إلى استنتاج لا آخر له هو أن الرجل يسكنه شيطان خاص بالروائيين لا يسمح له بالإفلات من قيوده. في بداية الثمانينيات تعرفت عليه، ثم في منتصفها التقيته في أبوظبي، زارني بصحبة الروائية فوزية رشيد التي كانت زوجته في تلك الفترة في صحيفة الفجر حيث كنت أعمل فيها بصفة مدير تحرير، فطرحت عليهما فكرة العمل في الصحيفة فتحمسا لبعض الوقت لكنهما تراجعا بعد أن قطعنا شوطاً في ترتيب ذلك مع مالك الصحيفة واختارا العودة إلى البحرين. بعد ذلك بعدة شهور التقيته في معرض الكتاب في المنامة، كان كعادته يفتش في الكتب لعله يجد بينها ما يبحث عنه. عندما سلمت عليه شعرت لوهلة أنه لم يعرفني فدهشت وقدمت له نفسي وكأنني أتعرف عليه لأول مرة، فابتسم مجاملاً قبل أن يواصل مهمة التفتيش عن الكتب التي يريدها، وينصرف. ما أكد لي مسألة الشيطان الذي يسكنه!في رمضان الفائت دعاني الصديق الكاتب إسحاق الشيخ يعقوب إلى الانضمام إلى لجنة أهلية تم تشكيلها أخيراً لتكريم من يستحق التكريم من الشخصيات الفاعلة في مجتمع البحرين من الأدباء بشكل خاص فتحمست، فأنا أعرف أن كثيرين في هذا المجال يستحقون التكريم وأنه من الخير أن يتم تكريمهم قبل أن يفارقوا الحياة، لكنه عندما قال لي إن التكريم الأول هو من نصيب عبدالله خليفة سارعت بالانضمام إلى اللجنة وحرصت على حضور اجتماعاتها للمشاركة في تفاصيل ترتيب تكريم هذا الأديب والروائي، الذي يبدو لي وكأنه جاء لهذه الدنيا لينتج هذا الكم من الروايات ويرحل. لجنة التكريم أهلية وتتعاون مع أسرة الأدباء والكتاب ومركز عبدالرحمن كانو الثقافي وتضم في عضويتها نخبة من الأدباء والمثقفين والمتحمسين لتكريم من يستحق التكريم من البحرينيين ممن أعطوا في مجالهم. كان المقرر أن يقام حفل التكريم الشهر المقبل، وقد تم إعداد جانب كبير من تفاصيل التكريم بما في ذلك طباعة رواية جديدة للراحل وإعداد مجموعة من البحوث المتخصصة تم تكليف ثلاث باحثات من المتعمقات في نتاجات عبدالله خليفة بإعدادها لتطبع في كتاب يوزع في حفل التكريم، وكذلك إعداد فيلم يتضمن شهادات مجموعة من الروائيين والأدباء العرب والخليجيين ممن هم على صلة به أو بأعماله، وفيلم آخر يلخص واحدة من رواياته. كانت اللجنة قد وصلت في اجتماعها الأخير الذي سبق وفاته إلى تفاصيل حفل التكريم من حيث المكان والمدعوين من الخارج والداخل وفقرات التكريم وما إلى ذلك. المثير في الأمر أن أحد الحاضرين من اللصيقين بالراحل نبه إلى أن عبدالله خليفة غير مهتم بمسألة التكريم وأنه يشعر أنه يريد فقط أن يفرغ ما في رأسه من روايات في كتب قبل أن يرحل عن هذه الدنيا، وأضاف أنه شعر في آخر لقاء معه أنه ينتظر الموت وأنه على وشك أن يرحل. ما لم يكن متوقعاً هو أن يرحل بهذه السرعة فلا يتيح الفرصة لمن أحبوه إلا ليقوموا بواجب العزاء بدل واجب التكريم الذي يستحقه والذي لا بد أن يتم، فمشروع تكريم عبدالله خليفة يجب أن يترجم إلى واقع، فهو إن لم يكن ممكناً الآن تواجده ببدنه فإنه متواجد بنتاجاته الكثيرة والمتميزة والتي يفخر بها كل بحريني وخليجي، حيث الجميع يسجل لهذا الأديب دوره في تأسيس الرواية البحرينية والخليجية ويشهدون له بالريادة ويسجلون له قدرته على إيجاد علاقة بين الكثيرين وبين الرواية وحب القراءة.