من أهم ما يميز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم هو سعيها المباشر والصريح وراء مصالحها، حتى ولو كانت مصلحتها في جحر ضب، فمن المؤكد أنها ستخرجه، فلا شيء يقف في وجه الإدارة الأمريكية لتحقيق أهدافها، ومن يقف في وجهها فإنه سينال عقابها الشديد.
إن الإدارة الأمريكية وفي كل الظروف السياسية تتعامل بحزمة متناقضة من المعايير مع أصدقائها وأعدائها معاً، فلا يوجد في عقلية الأمريكي ثوابت سياسية محددة، كما يخلو عقله مما يسمى بالصداقات أو العداوات الدائمة، فالأمريكي يهرول بين أعدائه وأصدقائه للحصول على مصلحته.
يتوهم العرب كل العرب، حكاماً ومحكومين، حين يقرون بأن لديهم علاقات تاريخية جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي تصرح فيه الإدارة الأمريكية كل يوم بأنها لا تملك أي علاقة ثابتة مع من يقوم بعرقلة جهودها للحرب والسلام أو إبعادها عن طريق مصالحها في شرق الأرض وغربها، ولهذا فإن العجز العربي عن فهم واستيعاب السياسة الأمريكية أدخلهم في أنفاق مظلمة لم يستطيعوا الخروج منها.
خطأ العرب أنهم حاولوا أن يتعاملوا مع الولايات المتحدة بمعيار الصداقات والعلاقات والتاريخ من طرف واحد فقط، وحاولوا تفسير السلوك الأمريكي على أنه يتفق مع المعايير السياسية الدولية العالمية، بينما اكتشفوا اليوم ألا شيء يعلو لدى الأمريكان من مصالحها الخاصة.
إن الإدارة الأمريكية خدعت العرب طيلة عقود من الزمن المر، بأنها كانت تقف مع قضاياهم على مسافة واحدة، بينما لم تستطع أن تخلق توافقاً واحداً بين دولتين أو بين فصيلين سياسيين في كل العالم، ولهذا فهي استطاعت توريط العالم العربي وإدخاله في صراعات وسجالات سياسية وعسكرية طاحنة، في اللحظة التي لم تخسر من وجودها أي شيء، ومع كل هذا الوضوح في الرؤية التحليلية لطبيعة عمل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض، إلا أن العرب ما زالوا يصدقون أكاذيبها ودعاياتها لنشر العدالة والسلام في الدنيا.
من كامل حق الأمريكان أن يسعوا وراء مصالحهم وفي كل وقت شاءوا، لكن كان يجب على العرب -حكاماً ومحكومين- أن يقوموا بذات الدور الذي تقوم به واشنطن في تحديد أهدافها ومصالحها، لكن بالطريقة التي تضمن للعرب وجودهم وقوتهم ومكانتهم وعزتهم، لكنهم فشلوا في تفكيك اللعبة الأمريكية وواقعها في العالم فصاروا أكثر ضعفاً مما كنا نتوقعه.
إن من يعول على الأمريكان فإنه يعول على سراب أو على واقع برغماتي صارخ، سواء كانت النوايا الحسنة صادرة من طرف الأنظمة العربية أو من طرف الموالين لها أو حتى المعارضين، فهم اتبعوا مع العرب سياسة «شربكهم يا إبليس»، وها نحن في «شربكة» ليس لها أول ولا تالي، ولهذا يجب إعادة النظر في ترتيب أولوياتنا مع واشنطن، وأن نضع مصالحنا ولو لمرة واحدة في ذات المستوى مع المصالح الأمريكية، وهذا لن يكون إلا عندما نكون نداً حقيقياً للمارد الأمريكي، وإلا سنظل في ذيل العالم إلى أبد الآبدين.
بعض المتطرفين العرب توهموا أن إيقاف القاطرة الأمريكية في العالم تقوم على ضرب مصالحها عبر سلسلة غبية من التفجيرات والانتهاكات والأعمال الإرهابية، وهذا السلوك المتهور أعطى الولايات المتحدة شرعية دولية جديدة كي تتمدد في كل الأرجاء بطريقة سريعة، بينما خسرت هذه الفئة نفسها وخسرت تأييد العالم لها.
إن القوة والإرهاب والسلاح لن يحلوا مشكلة الدهاء الأمريكي، بل ما يحقق ذلك هي القوة الحقيقية والواقعية، وهي أن يكون العرب أقوياء في الواقع السياسي، خصوصاً وأنهم يملكون الموقع الاستراتيجي بين كل العالم ويملكون الثروات، ولكنهم بطبيعة الحال لا يملكون الإرادة، وهذا كل وأهم ما في الأمر.