إرهاب عام وإرهاب انتخابي يقع، فتصدر بيانات عن رجال الدين وبعض الجمعيات السياسية، ويكون التبرير بـ «نحن نرفض الإرهاب وندعو لرفضه والتوقف عنه»، هل ذلك يكفي؟
هذه المعضلة تبدأ من رجال الدين، وتحديداً من المؤسسة الدينية المنتمية لأيديولوجيا ولاية الفقيه عندما تورطوا في السياسة، لم يضعوا حداً فاصلاً بينهم وبين السياسة، ووضعوا أنفسهم في موقع محرج للغاية، لأنهم يدعون مطالبتهم بالديمقراطية - في الحقيقة هي ثيوقراطية وليست ديمقراطية - وفي الوقت نفسه الديمقراطية التي يطالبون بها مفصلة حسب مصالحهم لا حسب مصالح الجمهور أو المجتمع أو الدولة.
حرية الفكر السياسي لا تعني البتة أنها حرية مطلقة، بل هي حرية منضبطة ويجب ألا تتجاوز حدود وأفكار الآخرين وحتى معتقداتهم ومصالحهم لأن الاحترام الفكري هو الأساس مهما كانت الاختلافات. والحال يكون أوضح عندما يتم تبني أيديولوجيات دينية وإسلامية تحديداً قامت بالأساس على احترام الآخر وأفكاره، وتبنت تحريم نفي الآخر وإقصائه وإجباره بالإكراه!
لذلك عندما يدعو بعض رجال الدين إلى «الديمقراطية»، ومن ثم يحرمون المشاركة فيها فإنهم يعيشون تناقضاً صارخاً، وينقلون هذا التناقض الصارخ إلى الجمهور، فيجد الفرد نفسه أمام مطالبته بالديمقراطية، ولكنها من جانب آخر يرفضها. وأبرز مثال على ذلك مقاطعة العملية السياسية التي تمت خلال الفترة من 2002 ـ 2006 باعتبارها محرمة دينياً من بعض رجال الدين، ثم صارت فجأة حلالاً ليدعو هؤلاء وبعض الجمعيات السياسية إلى المشاركة في الانتخابات والدخول في العملية السياسية خلال الفترة من 2006 ـ 2011!
من الناحية المنطقية هناك تناقض أيديولوجي كبير، ولذلك فإن عدم التحرك ضد الإرهاب الانتخابي يكشـــف القناعة بالثيوقراطية وليـــس الديمقراطية، لأن في الأخيرة لا يمكن تجاوز القانون ومقاطعــة الانتخابــات لمختلف الأسباب، بل هناك دول تفرض عقوبات قانونية ضد من يقاطع الانتخابات، وفي بعض الأحيان تصل إلى العقوبات المالية أو الحرمان من الخدمات الحكومية العامة.
دروس المقاطعة كثيرة، ولكن أهمها أن الخاسر دائماً ما يكون الناخب نفسه الذي أجبر قسراً على اتخاذ سلوك سياسي معين، والابتعاد عن العملية السياسية، وبالتالي خسارة دوره في الإرادة الشعبية الجامعة التي ستحدد الإطار العام لأربع سنوات مقبلة من عمر الفرد من خلال التشريع والرقابة والمشاركة في صنع السياسات العامة، وستكون مقاطعته بسبب قناعته بـ «ديمقراطية رجال الدين» صفراً لا أكثر.