المواطن الواعي الذي يعمل عقله لا يحتاج إلى تذكير، بل لا يحتاج إلى توعية بشأن حقوقه وواجباته. فهو -وهكذا نفترض- قد قرأ الدستور ويعرف الأنظمة والقوانين، ويعرف ماله وما عليه، ومن خلال مروره بالتجارب بالضرورة استخلص منها العبر، وبالتالي لن يقع في الخطأ ذاته مرتين.
هكذا نفترض، لكن مشكلة كثير من الناس أنهم يعملون عواطفهم بدل تحكيم عقولهم، بالتالي كثير من اختياراتهم وقراراتهم لا تكون صائبة، ويكررون الوقوع في ذات الأخطاء، ولو منحوا فرصاً أخرى لارتكبوها مجدداً.
الآن ونحن في معمعة عمليات الدعاية الانتخابية، كثير من الناس حائرون أمام مرشحين كثر، كل واحد يقول لهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إن «الحلول» لديه، كل واحد يعدهم بوعود جميلة، ويرفع من معنوياتهم، ويصور لهم أن مؤرقاتهم ومعاناتهم في طريقها للزوال وأن مطالبهم مآلها التحقق.
كثير من الوعود المسوقة ما هي إلا أوهام، يدركها فقط المواطن الواعي الذي يبني اختياراته بناء على خبراته السابقة، وفي شأن الممارسة البرلمانية لدينا طوال ثلاثة فصول تشريعية كثير من الدروس والعبر لا يجب لها أن تنسى. كثير من المواقف والقرارات اتخذها أعضاء انتخبهم الشعب كانت عبارة عن خذلان للشعب، مثل هذه الأمور لا يجب أن تتكرر، وتكرارها يكون عبر انتخاب ذات الأشخاص.
هناك ممن عاود ترشحه للبرلمان وهو يحظى بثقة ناخبيه ورضاهم عن أدائه، لكن هنالك كثر ممن يحظون بالعكس. بالتالي أنت يا مواطن ستحدد شكل الخارطة البرلمانية للسنوات الأربع القادمة.
طيب، مع هذا التنظير بشأن ما يجب وما لا ينبغي أن يحصل، لمن يصوت المواطن، ولمن يمنح ثقته؟!
شخصياً يمكنني بسهولة أن أقول: صوتوا لمن هو أفضل، ولمن تحسونه يمثلكم خير تمثيل. لكن يظل هذا كلاماً مرسلاً لا يمكن قياسه ولا يمكن تحديد معالمه، إذ ما الذي يثبت بأن هذا أفضل وذاك أسوأ، وأن هذا الخيار الأنسب لتمثيل الناس أو أن ذاك داخل «على طمع» يريد استغلال الناس؟!
هنا تدخل عملية القياس لدى الناخب نفسه، والذي عليه أن يقيم برنامج عمل المترشح ويناقشه فيه ويرسم له ألف سيناريو وسيناريو ويقيم الحلول التي يتقدم بها، لا يجب أن يكون الناخب «رحيماً» أبداً في مناقشته للمترشحين في دائرته، لا يجب أن يكون عاطفياً في قراراته، فهناك من لعبته الدندنة على العواطف ويستخدم أسلوب «الفزعات».
ابحثوا عن أصحاب الشعارات «الخيالية» و»الفنتازية» واستثنوهم من اختياراتكم، فشخصياً من الاستحالة أن أصوت لمترشح يعيد ترشيح نفسه وشعاره الانتخابي «زيادة الرواتب» أو «محاربة الفساد» أو «حل مشكلة الإسكان»، إذ كلها أمور كانت موجودة ولازالت حينما كان هو يملأ كرسي البرلمان، فماذا فعل؟!
لن أصوت أيضاً لمن يعدني بحل مشاكل تعجز عنها جيوش من المسؤولين، مثل مشكلة الإسكان، أو محاربة الفساد. إذ هنا سأبحث عن الآليات لا عن الكلام والوعود. اليوم من يقول لك إن مشكلة الإسكان يمكن أن تحل، هو لا يستطيع أن يقدم حلاً واقعياً يمكن تطبيقه في ظل الظروف والمعطيات، حتى من يقول إن الحل هو التوجه العمودي ينسى أهم مطلب للمواطن البحريني الذي يريد أن يعيش مكرماً في بيت لا شقة. إذ كم مواطن لا يسكن شقة إسكانية إلا مضطراً!
وطبعاً لن أصوت لمن الدور النيابي ضائع بالنسبة إليه، لمن يخلط بين الخدمات والتشريع، ولمن يرى المنصب النيابي مقتصراً على خدمات تتداخل في مسؤوليتها مع أعضاء المجالس البلدية، بينما التشريع وسن القوانين (وهي الأهم) لا يلقي لها بالاً، رغم أنها هي التي تؤسس لأعراف ونمط حياة أفضل من خلال تنظيم العمليات وتقوية الدور الرقابي والمحاسبي.
هي عملية صعبة، ندرك ذلك تماماً، وصعوبتها تزيد في ظل زيادة وعي الناخب بما يجعل تسويق المترشحين لأي كلام هلامي فنتازي عملية غير سلهة.
لا تصوتوا لمن تحسون في كلامه بعداً عن الواقع، ولا تصوتوا لمن يبدي عجزه منذ الآن عن القتال لأجل مطالب الناس، من يقول لكم «سأمد رجلي على قدر لحافي» قولوا له «مد رجلك في بيتك»، فالمواطن يحتاج من يعده ويتعهد له بفعل المستحيل لتحويل هذا المجلس لأداة تغيير فاعلة.
كلما زاد وعيك عرفت من تختار بعد عملية تدقيق مبنية على أسس.
لا تنتخبوا الانتهازي ومروج الشعارات الوهمية ولا من يخرج عليكم فجأة بدون سابق إنذار ليقول أنا مرشحكم وهو غائب عنكم وعن همومكم لسنوات، ابحثوا عمن يستحق، وأكيد ستجدون، فلو خلت لخربت.