قبل أسابيع سألني أحدهم: لماذا لا تترشح للبرلمان؟!
أجبته بإجابة فيها العديد من الأسباب المتباينة بين أسباب مهنية وأخرى متعلقة بالمبدأ والقناعات، بيد أنني قلت له حينها، ومازلت أقولها، بأنني أرى من العيب أن لا يكون الشخص متواصلاً مع أهالي منطقته، لا يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، لا يجلس في مجالسهم يتناقش معهم، لا يعرف عنهم شيئاً، وتكون علاقته بالمنطقة للسكن فقط، ثم يخرج بعد كل هذه السنوات ليقول للناس «أنا مرشحكم فانتخبوني».
هذه إحدى القناعات التي من خلالها يمكنني أن أصنف المترشحين بين شخص صادق في نيته وبين شخص يريد الاستفادة من الفرصة. بين شخص يعرف الناس ومتواصل معهم ويرى بأن همهم همه، ويعرف الناخبين اسماً اسماً أو أقلها غالبيتهم. وبين شخص يفاجئ الناس بظهوره ويكاد يقسم لهم بأنه ترشح من أجل «سواد عيونهم». أقلها تصنيف شخصي رغم صعوبة قيامنا بالكشف عن مكنونات الصدور والتأكد من النوايا، لكن المؤشرات الظاهرة كفيلة بخلق تصور وانطباع له نسبة كبير من الصحة.
هذه المشكلة التي نعاني منها في البحرين، البحث عن المخلص في نيته، والصادق في عمله وشعاراته. نفشل في التأكد ممن سنصوت له أو نوليه موقعاً هاماً، وكأننا نريد أن نكف أنفسنا التعب و«نغامر» فإن صابت كان بها وإن خابت فالصبر على تجرع المر.
أنت يا مواطن يمكنك تحديد كل ذلك، كم عدد الذين ترشحوا اليوم للبرلمان؟! كم منهم كنت تعرفهم في منطقتك ودائرتك الانتخابية؟! كم منهم كانت له بصمات واضحة، وكان له اهتمام بالناس في غير موسم الانتخابات؟! كم منهم قال لك «همك همي» أو «أعاهدك على حل مشاكلك» وغيرها من الشعارات في غير موسم الانتخابات وبيع الشعارات؟!
فجأة ظهر علينا أناس وبرزت لدينا أسماء لم يكن أغلبنا يعرف بوجودها أصلاً، فجأة بدأت أبواب البيوت تقرع، وبدأت مجالس ومساجد الناس تدخلها وجوه جديدة. وفجأة ومن دون سابق إنذار صارت هموم الناس ومشاكلهم من إسكان وكهرباء ووظائف ورواتب هي الشغل الشاغل لجميع المترشحين.
أحياناً أنظر للمشهد بضيق شديد؛ إذ هل الفترة الانتخابية هي الفترة الزمنية الوحيدة التي يحس فيها المواطن البحريني أن له قيمة، وأن الكل يخطب وده، عفواً أعني صوته؟!
للأسف، وبعض المرشحين يفعل أي شيء، بلا مبالغة أي شيء، فقط ليضمن تصويت الناس له. يقوم بأفعال ويقول أقوال من الاستحالة أن تصدر عنه في الأوقات العادية، لكنه من أجل أصوات الناس ومن أجل «البرلمان الجميل» مستعد أن يفعل الأفاعيل ويخالف قناعاته ويقوم بعكس تصرفاته وأفعاله.
كل ما قلناه يلاحظه الناس، والبعض يعرف تماماً عجز بعض المترشحين عن «تركيب جملتين» على بعضهما البعض، يعرف تماماً عجزه عن مواجهة الناس والرد على تساؤلاتهم بنفسه، فيعمد بالتالي لجعل مقره الانتخابي أو خيمته مثل «المنتدى» يستضيف فيها شخصيات ومتحدثين سواء إعلاميين أو محامين أو رجال مجتمع ليتحدثوا ويحاضروا في الناس. هنا كارثة بحد ذاتها، الناس ستأتي للمقرات لتستمع للمرشح وماذا سيقول وماذا عنده، ولن تأتي لترى هذا الإعلامي أو ذاك الطبيب أو فلان الحقوقي أو علان الناشط ماذا يقول.
حتى وسائل التواصل الاجتماعي يحصل فيها اليوم حراك غريب يمكن ملاحظته بسهولة، حتى على الصعيد الشخصي ألاحظه وبشكل يومي، فعدد «الفولورز»، أي المتابعين للحسابات، يزيد بشكل ملحوظ يومياً عبر متابعة لمترشحين للانتخابات البلدية أو النيابية، أو عبر حسابات تدعمهم بشكل دعائي واضح. شخصياً وصلتني حتى على حساباتي بوسائل التواصل الاجتماعي رسائل وطلبات من مترشحين لم أسمع صوتهم في حياتي قط، لم ألتقيهم قط تطلب الدعم!!
أيعقل هذا يا جماعة؟! أي دعم هنا؟! حتى في وسائل التواصل الاجتماعي؟!
نعم، هناك مترشحون وظفوا وسائل التواصل الاجتماعي بشكل دعائي مميز، عبر التعريف بالمترشح وبرنامجه وشعاراته وآليات عمله، وهذا أمر طيب يدخل في جانب الاستخدام الذكي للوسائل الدعائية المتاحة. لكن أن تتحول المسألة لاستغلال وتأثير على الناس وإغراق الحسابات التي تقيس رأي الناس بتعليقات متعددة تروج لهذا النائب أو ذاك أو تسقط هذا وترفع من قدر ذاك، هنا الكارثة الحقيقية.
لكنني شخصياً أفكر بمن قام بمتابعتك اليوم على حسابك، سواء كاتب هذه السطور أو غيره من حسابات لكتاب وإعلاميين أو حسابات إخبارية مشهورة، هل بعد نهاية الانتخابات ستستمر المتابعة أم سيكون قد حان موعد «الأنفولو»؟!
- ملاحظة..
ما نكتبه هذه الأيام ليس انتقاصاً من قدر المترشحين، لكن احتراماً لقدر المواطنين. التوعية مطلوبة، خاصة وأن المنطق يقول بأن هناك من ترشح ليعمل من أجل الناس، وهناك من ترشح ليعمل من أجله، وما أكثر الفئة الأخيرة!
الصحافة الحرة هي دائماً مع المواطن، هي التي تدافع عن حقوقه، وهي التي تحذره وتنبهه من أية محاولات لاستغفاله واستغلاله.
انتبه يا مواطن، حكم عقلك، ولا ترخص صوتك بمنحه لمن يعطيك اليوم من «عذب الكلام»، وغداً حينما يجلس على الكرسي وكأنه لم يعرفك يوماً.