البيان الأخير للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، والذي تضمن رفضها نشر صور متهمي جريمة الحرق الجنائي في مبنى بلدية جدحفص وبعض السيارات الخاصة، جاء مشفوعاً بالأسباب القانونية وعبر عن موقف مهم للمؤسسة التي لا يزال البعض يتهمها بأنها حكومية ويتخذ منها موقفاً سالباً.
صدور البيان الذي تضمن أسباب رفض نشر صور المتهمين والأحكام التي تستند إليها المؤسسة في ذلك الرفض يكفي للتدليل على أن هذه المؤسسة تلتزم بأحكام الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكل ما يصدر عن الأمم المتحدة في هذا الخصوص، ويؤكد أنها لا تلوي عنق القانون ليخدم توجهات جهات معينة، فما يحكمها هو القانون والمبادئ التي انطلقت منها وتستند إليها.
لعل الفرصة مواتية الآن لاتخاذ الدولة قراراً بمنع نشر صور المتهمين في الصحف وفي كل وسيلة نشر منعاً للتأثير المباشر في الرأي العام وفي إجراءات التقاضي فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، وكي يغلق هذا الباب الذي من الواضح أن «المعارضة» تستفيد منه أيما استفادة في تواصلها مع المنظمات الحقوقية التي توظف كل ذلك في الإساءة إلى البحرين وتصعيب الدور المنوط بوزارة حقوق الإنسان والمعنيين بمتابعة الملف الحقوقي.
وكما رفض بيان المؤسسة الوطنية نشر صور المتهمين قبل صدور الأحكام ضدهم وإدانتهم، رفض كذلك الأفعال المجرمة المتمثلة بالحرق الجنائي والاعتداء على سلامة المترشحين وعائلاتهم وممتلكاتهم، واهتم بالإشارة إلى أنه بالإضافة إلى أن هذا يمس بأمن واستقرار المملكة فإنه يؤثر في تمتع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم الأساسية.
هذا البيان يؤكد الدور الحقوقي لهذه المؤسسة، ويؤكد أنها لا تنحاز إلا للقانون والاتفاقات الدولية، وأنها لا تتردد عن قول الحق وإن تسبب في إزعاج هذا الطرف أو ذاك. هذه المؤسسة اتخذ منها البعض موقفاً سالباً لأسباب غير منطقية واعتبر أنها أوجدت لتخدم الحكومة.
ما لم ينتبه إليه ذلك البعض السالب هو أن إحراج المؤسسة الوطنية ممكن ببساطة شديدة، حيث يكفي دراسة بياناتها وأنشطتها والنظر في مدى اقترابها أو ابتعادها من الدستور والاتفاقيات والمعاهدات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، فهي من المؤسسات التي لا تستطيع أن تلعب «بذيلها» ولا أن تمارس دورين نقيضين في آن واحد. فلو كانت مع الحكومة، كما يحاول البعض أن يشيع، لما أصدرت بيانها الأخير هذا الذي تنتقد فيه نشر صور المتهمين قبل صدور أحكام ضدهم وإدانتهم، ولاختلقت ألف عذر وعذر للحكومة أو لأية مؤسسة من مؤسساتها أو تابعة لها.
المثير هو أنه رغم وضوح البيان والموقف والرسالة المباشرة إلى الدولة ووصف سلوك معين بأنه خطأ ومخالف للدستور وللاتفاقات الدولية ونشر كل ذلك في الصحف المحلية؛ إلا أن أحداً من ذلك البعض الذي يتخذ من المؤسسة الوطنية موقفاً سالباً لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى بيانها وموقفها الواضح هذا، ما يثير كمية من الأسئلة عن الهدف من اتخاذ هذا الموقف السالب من هذه المؤسسة من قبل ذلك البعض.
الحاصل في أيامنا هذه هو أن ذلك البعض الذي يحلو له أن يوسم بـ «المعارضة» يريد من المؤسسة الوطنية أن تكون معه في كل شيء، في الصح وفي الخطأ، وفي الحق وفي الباطل، وهذا غير ممكن، ليس لأن هذه المؤسسة تنظر إلى ردة فعل الحكومة؛ ولكن لأنها تحتكم إلى مبادئ وقوانين واتفاقيات وأحكام، عدا أنه لا يمكن أن يكون كل ما يقوم به ذلك البعض صحيحاً.
ربما كان مناسباً الآن وبعد البيان الأخير للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن تراجع «المعارضة» موقفها منها وتحاول بدلاً عن ذلك أن تستفيد منها ومن خدماتها، فهي مؤسسة وطنية أنشئت لخدمة الوطن وحماية المواطن.