الحديث عن قصة ريحانة، الفتاة الإيرانية التي أعدمت لأنها قتلت الضابط الذي حاول اغتصابها، يتجاوز التطرق إلى بنية النظام الإيراني الثيوقراطي والقائم على توزيع امتيازات المواطنة على أساس الطبقية والعرقية والمذهبية في إيران. ويتجاوز كذلك الحديث مدى نزاهة القضاء الإيراني واستقلاليته. حديث ريحانة هو حديث المرأة المهمشة في القرن الحادي والعشرين.فلنتذكر قضية المعتقلات العراقيات التي هزت القبائل العراقية وتركت جرحاً غائراً في شرف الرجل العراقي، ولم يحرك العالم ساكناً إزاءها. ماجدات العراق كن أسيرات ورهائن عند «العلوج» في سجون الاحتلال الأمريكي بالعراق، وكانت صور تعذيبهن جنسياً واغتصابهن توزع عبر اليوتيوب من أجل كسر كرامة العراق الحر. تبعهن إقامة الحد على بعض نساء سوريا ممن ظللهن حكم الدولة الإسلامية في حلب والرقة، صور وحشية لغضب مجنون تجاه نساء مقيدات ومحرومات من إقامة محاكمة عادلة، وجوه متوحشة تلقي حجارة الرجم وكأنها تنتقم من العالم كله. أصبحت المرأة في عهد داعش وأخواتها الجسد الذي حل الشيطان به واستوجب هدم الجسد وطرد الشيطان منه ومعه إلى قعر جهنم وبئس المصير.حين كانت دعوات الجهاد في سوريا على أشدها خرج أحد المشايخ عبر قناة اليوتيوب يبيح أخذ نساء النصارى والدروز والعلويين سبايا وجواز اقتنائهن كجواري أو ملك يمين. لم تكن الفتوى لوثة عقلية من شيخ شاخ عقله، فقد شاهد العالم النائبة الإيزيدية في البرلمان العراقي وهي تختنق بكاء وحرقة على ما حل بقومها من تهجير وتقتيل وبيع للنساء في سوق النخاسة. هذا التسلسل يفتح الباب أمام تصديق كل شائعة أقل درجة وشدة مثل حصر تنظيم داعش للنساء غير المتزوجات في (إمارة الموصل) من العازبات والأرامل والمطلقات وتزويجهن بالمجاهدين الوافدين لفتح العالم العربي الذي انسلخ عن إسلامه.في كل هذه الأحداث الأخيرة كانت المرأة تدفع ضريبة الاختلال المجتمعي والانكسار في حركة التاريخ. فنحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وما تزال المرأة تمر بظروف أشبه بظروف القرون الوسطى. ولا علاقة لهذا وذلك بوصول المرأة إلى سدة الحكم والحكمة في كثير من دول العالم، ولا علاقة له أيضاً بالاتفاقيات المتعددة والتشريعات العديدة القاضية بحقوق المرأة المدنية والسياسية وقوانين الأحوال الشخصية. كل ذلك يتحول إلى رماد متطاير في يوم عاصف.عود على حديث الريحانة التي ذبلت في إيران.. في الرسالة المنسوبة أنها أرسلتها إلى والدتها، تقول ريحانة: «.. هذا البلد الذي زرعت حبه في داخلي لم يكن يريدني أبداً، ولا أحد دعمني عندما كنت تحت ضربات المحقق أبكي وأسمع أكثر المصطلحات إهانة. وعندما نزعت عن نفسي علامة الجمال الأخيرة، وحلقت شعري، كوفئت بـ11 يوماً في الحبس الانفرادي». تلك الجمل هي الأكثر إيلاماً في الرسالة وتلك المشاعر هي الأكثر قسوة على نفس ريحانة، حينما تتحول المعاناة الذاتية إلى قضية وطن يتخلى عنها في محنتها ويجردها من مكوناتها الإنسانية قطعة قطعة. حين تصبح المرأة غريبة مشردة مضطهدة في الوطن الذي تتوقع أن يحميها ويدافع عنها وينتصر لحقها. حديث ريحانة حوى حديث المرأة، في كل عصر، التي إن عصفت بها الهجمات البربرية فلا وطن يحميها ولا دين ولا قانون، فما زالت المرأة أكثر الفئات استهدافاً وما زالت حقوقها هي الأكثر انتهاكاً في عصر يعتبر حصر الحريات والحقوق والعدل والمساواة.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90