كنت قد حضرت محاضرة ألقاها مترشح نيابي لم يحالفه الحظ بالفوز في الانتخابات الأخيرة.
المحاضرة كانت ثرية بالمعلومات وتضمنت محورين أساسين تمت صياغتهما في سؤالين؛ الأول هو لماذا نريد مرشحاً نيابياً ذا بعد نظر إداري واستراتيجي؟ والثاني هو ماذا ينتظر الغرفة التشريعية القادمة؟ وللإجابة عنهما قدم المحاضر كمية من المعلومات بدأها بأهمية الحنكة الإدارية، ورأى أن التخصص يقود مختلف المجالات، وأن برنامج الحكومة المقبل بحاجة إلى نواب توافق وخبرة إدارية بحتة للتأكد من أن البرنامج طموح ويلبي متطلبات المرحلة الجديدة ويواجه التحديات الداخلية والإقليمية والخارجية. وأتبع ذلك بالإشارة إلى الموازنة التي رأى أنها ستكون ميزانية أداء وشبه تقشف بسبب الدين العام الذي وصل إلى أعلى المراحل، وصار بحاجة إلى رقابة صارمة على تنفيذ المشاريع بحرفنة والقضاء على هذا الدين باستراتيجية تعتمد إضافة إلى ذلك التشريع السليم والتصدي للفساد الإداري والمالي، ورأى أن ديوان الرقابة القادم بحاجة إلى جدية أكبر في التعامل معه لمحاربة الهدر في المال العام والتصدي للمفسدين والمتلاعبين وتقديم من تثبث التهم عليهم إلى النيابة العامة.
نقطة أخرى أضافها ذلك المترشح في تلك المحاضرة المهمة ملخصها أن وصول نواب أكفاء ومتخصصين سيفرض تشكيل حكومة تتناسب وقوة المجلس الجديد، وسيفرض اختيار رئيس يتمتع بالحنكة الإدارية ومتمكن من أساسيات القانون الدستوري وفن الإدارة الاستراتيجية، لكنه أوضح أن الغرفة التشريعية القادمة ينبغي أن تكون عوناً للحكومة لا مناكفة لها ولا معرقلة لعملها، ولهذا ينبغي من النواب أن يمارسوا دورهم التشريعي والرقابي بكل حرفنة ومهنية، وينبغي أيضاً أن يكون تغيير اللائحة الداخلية للمجلس أولوية قصوى بالنسبة لهم، ذلك أن اللائحة الحالية تقصر يدهم وتقيدهم فلا يتمكنون من تحقيق مكاسب ملموسة للمواطنين.
في السياق نفسه استعرض جانباً من مواصفات العضو البرلماني، فقال إنه ينبغي أن يكون متمكناً ومتحلياً بالجدارة السياسية والقدرة على المزج بين «المعرفة والتعليم والمهارات والسمات الإدارية والشخصية»، ومنها على سبيل المثال النضج الثقافي المستنير وملكة الخيال السياسي والإبداع المعنوي للقيم الوطنية ليكون متمكناً من طرح مقترحات برغبة أو مشاريع قوانين تصب في مصلحة المواطن المهدور والمهمش.
أما أبرز النقاط التي تضمنها المحور الثاني فهي قوله إن الغرفة التشريعية القادمة ينتظرها العمل للوصول إلى موازنة أداء متوازنة (أي من دون عجز) وقصد بها التحول من ميزانية المصروفات المتكررة (الإنفاق) إلى ميزانية المشروعات والمبادرات، والعمل على حل مشكلة تفاقم الدين العام وإيجاد استراتيجية القضاء عليه تدريجياً، ونبه إلى أن الوضع السياسي والأمني المضطرب يبعث على القلق لأنه يؤدي إلى ازدياد التطرف في الداخل واستمرار الهجمة الإعلامية المنظمة على البحرين في الخارج.
ما جاء في المحاضرة المذكورة، وإن كان يدخل في باب الدعاية الانتخابية الهادفة إلى إقناع الناخب باختياره كمترشح للمجلس النيابي، إلا أنه يتضمن حقائق مهمة وأموراً ينبغي الاستفادة منها، فهي جزء من منهج يوافق الكثيرون على أنه يفضي إلى الارتقاء بالعمل النيابي ويوفر الرابط بين النواب ومن أوصلهم إلى هذا المجلس.
المترشحون الآخرون أيضاً تناولوا في مقارهم الانتخابية الكثير من الأمور المهمة، وشخصوا الكثيــر مــن المشكــلات واقترحـوا العديد من الحلول لها، وبالتأكيد فإن كلاً منهم نظر إلى كل ذلك من زاوية تستند إلى خبراته. أهمية ما تم طرحه في الحملات الانتخابية يدفع إلى البحث في إمكانية الاستفادة منه بطلبه من المترشحين وتضمينه مذكرة يتم تقديمها إلى أعضاء المجلس النيابي الجديد لتعينهم على أداء عملهم وتفتح أمامهم أبواباً للعطاء، خصوصاً وأن كثيراً مما طرح في المقار الانتخابية تضمن أفكاراً إبداعية يمكن ترجمتها إلى واقع لو تم تحويلها إلى النواب الجدد.