هذا هو ملخص الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة إلى من سيشغل المقاعد الأربعين في مجلس النواب الجديد، حيث قال في أول لقاء لسموه مع المواطنين الذين توافدوا على قصر القضيبية العامر لتهنئته بسلامة الوصول وبنجاح الفحوصات الطبية التي أجراها أخيراً، قال ما معناه إن عدم إشغال النواب أنفسهم بالموضوعات السياسية التي لا توصل إلى مفيد والعمل بدلاً عن ذلك على رفع المستوى المعيشي للمواطنين من شأنه أن يرتقي بالبلاد ويطمئن الجميع على مستقبل الأبناء، وأعطى سموه العديد من الأمثلة عن دول تركت عنها المناكفات والسياسة وتفرغت للتنمية والاقتصاد فصارت مبتغى الناس الذين صاروا يأتونها من كل مكان سواء للعلاج أو التعليم أو السياحة.
في السنوات القليلة الماضية بشكل خاص انشغلنا نحن أهل البحرين بالسياسة واشتغلنا بها، والنتيجة هي ما نراه اليوم من تقدم الآخرين علينا وتأخرنا عن كل ركب ودخولنا في مسائل كنا حتى وقت قريب نسمع عنها ونقرأ في الكتب. انشغلنا واشتغلنا بالسياسة وأهملنا الاقتصاد الذي هو عصب الحياة وعمودها الفقري، والنتيجة هي ما نحن فيه اليوم من آلام لا نستحقها وأحوال لا تليق بنا.
ليس بالسياسة نرتقي وليس بها ننمو ونتقدم، فالنمو والتقدم والرقي يكون بالاقتصاد، دون أن يعني هذا التقليل من شأن العمل السياسي، حيث الاقتصاد مرتبط بالسياسة شئنا أم أبينا، إنما القصد هو ألا نسمح للسياسة أن تقيدنا فلا نولي الاقتصاد اهتمامنا ونسيس كل شيء ونفسر كل قرار على أن الآخر يريد أن يستفيد منه سياسياً ليخدم فكرة معينة أو يضيق على طرف معين.
المثير في البحرين هو أن رجال وسيدات الأعمال رغم تضررهم من العمل السياسي وآثاره إلا أنهم لايزالون دون القدرة على اتخاذ موقف سالب منه، كما إن غرفة تجارة وصناعة البحرين لم تقف الموقف المتوقع منها في مثل هذا الظرف، فكل ما فعلته هو أنها حاولت أن تنأى بنفسها عما يحدث، وهذه سلبية ينبغي مناقشتها ودراستها، حيث اتخاذ الغرفة قراراً بعدم السماح لنفسها بالمشاركة في العمل السياسي لا يحميها ولا يكفي لحماية أعضائها والعمل التجاري والصناعي، فقد كان المتوقع أن يكون لها دور في حماية الاقتصاد والتأثير في من آثر العمل السياسي وسعى إلى تخريب الاقتصاد وهدم أركانه.
النظرية واضحة، فكلما انشغلنا بالسياسة كلما تأثر الاقتصاد وتضررنا وتضرر الوطن ومستقبله، والعكس صحيح، وليس مبالغة القول إن السياسة يمكن أن تصير معول هدم بينما الاقتصاد رافعة للبناء والارتقاء، ولهذا ينبغي من مجلس النواب الجديد أن يولي الاقتصاد كل اهتمامه وأن يقتصد في السياسة ويحذر من الانشغال بها عنه فقد ثبت بالأدلة القاطعة أننا لم نُجنِي من هذا سوى الآلام وهذا الشرخ في المجتمع والذي يجزم البعض أنه يستحيل رتقه.
لا شيء أوذينا منه مثلما أوذينا من السياسة، ولا شيء يخرجنا مما صرنا فيه غير الاقتصاد الذي به تتحسن معيشتنا وتتطور حياتنا. السياسة تفرقنا بينما الاقتصاد يجمعنا ويعيننا على الارتقاء بوطننا.
السؤال الذي ينبري هنا هو؛ هل نستطيع أن نتوقف عن «معاقرة» السياسة والاستعاضة عنها بالعمل الذي يوصلنا إلى المال الذي به نستطيع أن نبني ونطور حياتنا وننمو؟ الجواب للوهلة الأولى هو (لا)، فالسياسة في دمنا ومعاقرتها تفضي إلى إدمانها، وإدمان السياسة يعمي عن الاقتصاد. لكن هذا ليس صحيحاً بالضرورة أو على الأقل ليس دقيقاً، حيث بإمكان شعب البحرين عبر ممثليه في مجلس النواب أن يصل إلى تشريعات تحميه من السياسة وتنتصر للاقتصاد.