على أعتاب بدء عمل المجلس النيابي الجديد، وعلى الرغم من وصول النائب المستحق من غيره، سيظل هذا المجلس هو الواقع المعاش خلال الأعوام الأربعة المقبلة، ولهذا فإن تسليط الضوء على طبيعة التكتلات السياسية التي سوف تحصل داخل المجلس يعتبر من أهم المواضيع التي يمكن أن تغير مجرى عمل المجلس، لأنها الأداة الفاعلة في تثبيت وتغيير وصناعة الكثير من التشريعات.
حين دخلت الجمعيات السياسية في المجلس بكل ثقلها خلال الدورات السابقة، استطاعت أن تتحكم في مجرى الكثير من القضايا التشريعية وتثبيت أو إلغاء الكثير منها، وعلى ضوء تلك التكتلات السياسية داخل المجلس برزت معالمه بصورة واضحة بعد برهة زمنية قصيرة من عمل المجلس.
بعد الانتخابات التكميلية في العام 2011، وربما قبلها بقليل، وبعد تضعضع الجمعيات السياسية في المجلس، تشكلت بعض الكتل النيابية داخل المجلس من خلال الكثير من المستقلين، مما أعطاهم زخماً قوياً في صناعة أو تغيير مسار الحركة التشريعية في المجلس، ولربما كانت تلك الكتل أكثر قوة من بقية الكتل السياسية التي تندرج تحت مسمى الجمعيات والقوى السياسية الأخرى.
اليوم، وبلمحة خاطفة وسريعة، نجد أن الجمعيات السياسية لم تنجح في إيصال مرشحيها إلى قبة البرلمان هذه المرة، وهذا لم يك مستغرباً أبداً، لأن الاستبيان التي قامت بها صحيفة «الوطن» أوضح بما لا يدع مجالاً للشك مدى كفر الشارع البحريني بالجمعيات السياسية كلها، وإيمانه العميق بأن الأصلح والأفضل، هو حركة وعمل النائب المستقل.
لا شك ولا ريب، وبعد أن اتضحت أسماء النواب الحاليين في صورتها النهائية، سيكون الحديث القادم عن أهمية وإمكانية نشوء بعض التكتلات السياسية في المجلس، وهذا الأمر سيكون وارداً للغاية، لكنه لن يكون إلا عبر إمكانية انسجام بعض الأعضاء مع بعضهم البعض، سواء من حيث مستوى الأداء أو التفكير أو التوجه، ولهذا فإن التكتلات السياسية الكبيرة التي ستحدث داخل المجلس هي التي ستغير من الحراك النيابي وتخرجه من جمود النائب المستقل إلى فضاءات الكتل النيابية الفاعلة.
لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما ستكون عليه شكل تلك الكتل في ظل الأسماء التي استطاعت الوصول إلى قبة البرلمان، فهم عبارة عن مزيج مختلف من التوجهات السياسية، ولهذا يصعب أن نتوقع بأي شكل سيكون شكل الكتل، حتى الدينية منها، لأن النواب الإسلاميين الذين وصلوا للمجلس، وإن كانوا أغلبية، إلا أنهم لا يمثلون تياراً دينياً محدداً كما كانت عليه الدورات السابقة، ولهذا ربما قد يصعب أن تتشكل كتل نيابية إسلامية واضحة وصريحة بالصورة المتوقعة، وذلك لاختلاف التوجهات البنيوية للإسلاميين من النواب الحاليين، بل نستطيع أن نؤكد هنا، أن تشكيل كتل نيابية من المستقلين، مع اختلاف توجهاتهم، سيكون أكثر سهولة من تشكيل كتل نيابية إسلامية، والتي تعيش فيما بينها عقداً عقائدية وأيديولوجية.
الأيام القادمة، وقبل أن تفتتح أولى جلسات المجلس أو بعدها بقليل، سيكون شكل الكتل السياسية ولد من الإيمان بأهميتها وبضرورتها، ومن لم يقبل أن يدخل فيها من النواب المستقلين سيكون تأثيرهم في النهاية لا يرقى لمستوى العطاء أو التأثير الفاعل، وهذه حتمية برلمانية راسخة في تشكيل مصير البرلمانات، كما هي نظرية دارون في الانتخاب الطبيعي في حياة الحيوانات.