عندما أقمت في الولايات المتحدة تعلمت عبارة «مقاعد النزف من الأنف» والمقصود أرخص المقاعد في آخر صفوف الملاعب، حيث يزعم الأمريكيون أن مستوى الأوكسجين ينخفض فينزف المتفرج دماً من أنفه.
لا أعتقد أن نزيف الدم صحيح، إلا أنه عاد إلي وأنا في الطابق (الدور) 57 من فندق فخم في أبوظبي، والمصعد ينطلق بسرعة صاروخ، فلا أصل إلى هدفي حتى أسمع أذني وقد «طقت» الطبلة في كل منهما.
هي هنات هينات فالزيارة كانت جميلة بالمناسبة، أو العيد الوطني الثالث والأربعين، والأصدقاء والمعلومات، وكل شيء آخر.
كنت تركت لندن والأنوار تتلألأ في شوارعها وميادينها مع اقتراب عيدي الميلاد ورأس السنة، ووصلت إلى أبوظبي ووجدتها ترتدي حلة قشيبة من الزينات احتفالاً بالعيد الوطني، فكان الرقم 43 في كل شارع وزاوية ومع الأعلام على السطوح.
كان في الاحتفال الرسمي الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة، والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي وحكام الإمارات، وبينهم الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، وهو صديق عزيز. وكان بين الضيوف الملك محمد السادس، عاهل المغرب، وبان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، وآخرون من بلاد العرب والغرب والشرق.
هي فرصةٌ ليحصل الصحافي مثلي على معلومات من صانعي القرار إلا أنني لم أشأ أن أفسد جو «العرس» بأسئلة عن الإرهاب أو إيران أو أمريكا أو إسرائيل. وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد كان أعطاني معلومات، صحيحة دقيقة كالعادة، غير أنني وجدتها خطرة، وقد لا أنشر بعضها قبل مضي فترة زمنية كافية.
ما أقول اليوم هو إن دول الخليج القادرة مصرةٌ على مساعدة مصر بكل وسيلة ممكنة لتعود أقوى دولة عربية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، فدول الخليج ترى أن قوة مصر قوةٌ لها، وهذا موقفٌ عززته التجارب المرة مع الإخوان المسلمين، والإرهاب والأطماع الخارجية. سمعت كلاماً بهذا المعنى من مسؤولين إماراتيين، كما سمعت مثله قبلاً من مسؤولين سعوديين وكويتيين وغيرهم. السؤال الآن ليس هل تعود مصر بل متى؟ جوابي أن سرعة عودة مصر فائدة للجميع. في جولاتي الخليجية سمعت شكوى من أن كل شيء في مصر يتغير إلا البيروقراطية، وهي تعرقل مسيرة التقدم. أرجو أن تكون عند الرئيس عبدالفتاح السيسي حلول لم يجدها حكام مصر من أيام الفراعنة حتى السنة الماضية.
كنت وعدت بأن تكون سيارتي خلال الزيارة تحمل الرقم «1 مراسم وزارة الخارجية» إلا أنني اخترت الرقم 5 بعد أن وجدت أن السائق مصري ونفهم لغة أحدنا الآخر. وأشرت في مقال سابق إلى هليكوبتر لي وحدي استخدمتها في التنقل بين مشاريع طموحة فلا أعود.
أهم مما سبق أن أقرأ عن غوغنهايم أبوظبي، فقد زرت متحف غوغنهايم في نيويورك، وأراني صديقٌ ونحن في سيارة بناء فخماً جديداً قال إنه سيكون جزءاً من المتحف النيويوركي المشهور. هو ضمن مبادرة ثقافية وسياحية ستنفق الإمارات عليها 27 بليون دولار وتشمل أيضاً فرعاً لمتحف اللوفر الباريسي المشهور، وأيضاً متحف زايد الوطني.
كل ما قدمت للقارئ اليوم معلوماتٍ عندي الدليل عليها، ولا أقول إن الإمارات أو أي دولة عربية أصبحت ديمقراطية أثينية تنافس الدول الإسكندنافية، وإنما أقول إنها تسير في الطريق الصحيح، وهناك أخطاء فلا أحد معصوم، حتى لو كان بابا روما. وأقرأ بين حين وآخر انتقاداً لسوء معاملة العمال الأجانب في دول الخليج، وهو أمر يمكن إصلاحه بسرعة.
ختاماً، كان أجمل تعليق سياسي وأصدق تعليقٍ رأيته خلال أيامي في أبوظبي كاريكاتور في جريدة «الخليج» يظهر فيه عربي يرمي طائرة ورقية على إسرائيل «رداً على الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى».
* نقلاً عن صحيفة «الحياة» اللندنية