للفرار من صوت تدحرج براميل النفط بأسعارها إلى الهاوية، من النادر أن تجد حالياً من لا يشعر بالرغبة في القفز نحو استشراف نتائج تهاوي الأسعار حتى ولو كانت نتائج موجعة، فهل سيصبح انهيار أسعار النفط في الخليج العربي خميرة لتحولات استراتيجية حادة؟ يذهب البعض إلى أن انخفاض أسعار النفط يطمئن الخليجيين بمقدار ما يقلقهم؛ فهبوط أسعار النفط يميل لصالحهم وصالح الغرب وضد روسيا وإيران، بل إن البعض قال إن دول الخليج وفي ظل وفرة مالية تحمي اقتصادياتها قد أعلنت «الحرب النفطية» لتركيع إيران وروسيا، فاعتماد كلا البلدين على إيرادات النفط اعتماداً كبيراً يعرض ميزانيتهما للعجز عند الأسعار الحالية، وسيضعف موقفيهما في العراق وفي مفاوضات البرنامج النووي وفي سوريا وفي أوكرانيا، لكن ما يقلقنا هو أن الدراسات النفطية تتوقع أن تستمر الأسعار المنخفضة على حالها لمدة لن تقل عن خمس سنوات بناء على عبرة تاريخية مستمدة من سجلات أوبك، فهل ستقبل طهران أن تغلب في سوق حرب الأسعار النفطية وهي التي قاومت العزلة الدبلوماسية وتملصت من الحصار الاقتصادي تلو الحصار منذ تشكل الجمهورية الإسلامية 1979؟من الأعمال الممكنة التي قد تقوم بها طهران:- سيناريو «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»، كما قال صدام في مؤتمر القمة العربي في 30-5-1990 متهماً الكويت والإمارات بإغراق الأسواق بنفط تقل أسعاره عن 7 دولارات للبرميل الواحد، لمنع بغداد من إعادة بناء قوتها العسكرية؛ صحيح أن إيران لن تغزو دول الخليجي لكنها ستفتح الأبواب لعدم الاستقرار ليتسلل كالثعابين إلى شوارعنا الآمنة.- لن تتردد طهران في خلق ملف جديد باسم حرب أسعار النفط وعرضه على مجموعة «5+1» المختصة بالتفاوض حول برنامجها النووي، وإجبارهم على جعله أولوية يتم من خلالها ثني دول الخليج وواشنطن عن تدمير الاقتصاد الإيراني عبر الحرب النفطية.- إذا لم ترتفع الأسعار وتتوقف سياسة الإغراق ستتوقف طهران عن التعاون مع مجموعة «5+1» حيال توسيع وتحديث قطاعي النفط والغاز لعدم جدواهما، وستعود إلى التخصيب بنسبة 5% و20% كما كانت سابقاً والتوسع في مشاريعها النووية في مجال الأبحاث والتطوير التي يرى الغرب أنها لأجل الأسلحة النووية.- سيصل التعاون بين موسكو وطهران لذروته عبر إبرام شراكة استراتيجية للخروج بأقل الأضرار من «الحرب النفطية»، وسيشمل التعاون خلق البديل النووي ليحل محل النفط في محطات الطاقة الإيرانية، ليتم تحرير جزء كبير من النفط الإيراني من الاستهلاك المحلي وتصدير ما يستخرج.على الجانب الخليجي يبدو المشهد أقل وضوحاً تجاه المشاريع النووية، حيث تتقدم دولة وتتراجع دولة خليجية أخرى؛ فخادم الحرمين الشريفين قال في ربيع 2009 إنه «إذا امتلك الإيرانيون سلاحاً نووياً سنمتلك سلاحاً مماثلاً»، يقابل ذلك العزم تراجع كويتي وإلغاء خطط مشروعها النووي 2011، ثم يتغير الوضع مع الإمارات العربية المتحدة بخطوات نووية سلمية رائدة ومقبولة من الوكالات الدولية جراء تعهد أبو ظبي بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها النووية التي ستقام بخبرات كورية جنوبية وغربية. لكن قطر تعود بنا للاتجاه الآخر حيث أعلنت أنها لا تعمل على إقامة مشروع نووي، ثم عادت الدوحة ووقعت عقد مشروع مع شركة «روساتوم» الروسية للطاقة النووية.إن الدوافع النفطية لعودة المشاريع النووية لطاولة صناع القرار بين دول الخليج أقوى من دوافع السباق النووي، وعليه فإن اتجاه طهران للخيار النووي سلمياً كان أو عسكرياً يعني أن العواصم الخليجية ستدرس الخيار النووي، ليس لردع نفوذ إيران فحسب؛ بل كبديل للنفط، وما ذلك إلا طبقة من مرحلة تراكمية للأزمة المستمرة على ضفتي الخليج العربي.