مشاهدو مباريات كرة القدم يلاحظون المشهد التالي في كثير من المباريات؛ ينطلق اللاعب المهاجم متقدماً نحو المرمى، يدخل خط الـ 18، يقترب من المرمى أكثر ويكاد أن يسجل هدفاً. في هذه اللحظة يأتيه من خلفه لاعب من الفريق الخصم ويحاول أن يعيقه، يضربه في رجله أو يدفعه بكتفه ليقع على الأرض وتنتهي خطورة الهجمة. لحظة وقوع اللاعب المهاجم على الأرض ورغم أن اللاعب الذي أطاحه فعل ذلك متعمداً ورآه الحكم القريب من الكرة ورآه الحكمان الواقفان على الخطين ورآه الجمهور الحاضر والجمهور المتابع عبر شاشات التلفزيون في مختلف دول العالم؛ إلا أنه مع هذا يسارع إلى رفع يديه إلى الأعلى في محاولة لتبرئة نفسه والقول إنه لم يعرقل اللاعب المهاجم وإنما هو الذي تعرقل أو ربما هو الذي أسقط نفسه بنفسه!
هذا بالضبط ما تفعله «المعارضة» هنا وعلى الخصوص الوفاق، فهي التي تفعل كل شيء وتتسبب في كل شيء، وهي التي تحرض وتشحن العامة وتقول وتفعل، ثم عندما يسقط قتيل ترفع أيديها إلى الأعلى لتبرئ نفسها فتصدر بياناً يدين ويشجب ويستنكر، وتؤكد فيه أنها ضد العنف وضد كل ممارسة من هذا القبيل وأن حراكها سلمي «منذ البداية»!
الحادث الذي وقع في قرية دمستان قبل أيام وأودى بحياة شرطي سارعت «القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة» إلى إدانته، فأصدرت بياناً أكدت فيه أنها «ملتزمة بالعمل السلمي وتشدد عليه بقوة وتدعو للتمسك التام به»، وأنها «ترفض رفضاً قاطعاً أي عمل عنفي وأي عمل يستهدف الأرواح والممتلكات»، وقالت إن «السلمية هي سمة الحراك الشعبي في البحرين منذ انطلاقته في فبراير 2011 رغم القمع والبطش الذي تقوم به السلطة»، كما أكدت «رفضها للعنف من أي طرف كان وتحت أي مبرر»، وشددت على أن «ثقافة العنف لا تنسجم مع طبيعة المجتمع البحريني، وأن الالتزام بالمنهج السلمي هو خيار المطالبين بالحقوق العادلة والمشروعة لشعب البحرين وهو مستمر فيه ولا حياد عنه».
هكذا رفعت «المعارضة» أيديها في محاولة واضحة لتبرئة نفسها، ومع هذا اتهمت السلطة بممارسة القمع والبطش وضمنت الخبر جملة شككت بها رواية الداخلية فقالت «ما تناقل عن وفاة أحد منتسبي وزارة الداخلية في منطقة دمستان»، أي أنه لو كان ما ذكرته الداخلية صحيحاً فإننا نقول لها إننا أبرياء وها قد أصدرنا بياناً نؤكد فيه إدانتنا وشجبنا واستنكارنا ورفضنا لمثل هذه الأفعال.. لو أنها حدثت بالفعل أو أنها لم تكن من تدبير الأجهزة الأمنية.
هناك، في مباراة كرة القدم، يوقع اللاعب زميله المهاجم أمام مرأى الجميع و«يصدر بياناً» في التو والحال برفع يديه إلى الأعلى مدعياً أنه ليس هو الذي أوقع به أو أعاقه، وهنا في دمستان وفي كرزكان وفي سترة وفي كثير من القرى و«البلدات» تتسبب «المعارضة» المتمثلة في الوفاق ومن صار في جيبها من جمعيات سياسية في القتل والإصابة بالجروح والفوضى، وفي كل ما ينتج عنه الأذى وتسارع برفع أيديها إلى الأعلى لتقول عبر بياناتها المتكررة والباهتة «أنا ما لي كار.. أنا بريئة بدليل أنني أصدرت هذا البيان»!
ليس بمثل هذه البيانات ولا بغيرها يمكن لـ «المعارضة» التبرؤ من نتاج أعمال الفوضى والتخريب، وليس برفع كل أيديها إلى الأعلى والقول إنها لم توقع الضحية، والسبب بسيط وهو أن ما يحدث من أعمال غريبة على مجتمع البحرين ما هي إلا نتاج لممارساتها المتمثلة في التحريض والشحن والدعم بأنواعه، ونتاج قلة خبرتها في العمل السياسي الذي أوصلها إلى حد أنها لم تعد قادرة على التحكم في مجموعة من الصبية استهووا ما أوصوهم القيام به.