هبط سعر البترول إلى 65 دولاراً والحكومة مازالت تلتزم الصمت، للعلم إن ميزانية الدولة لعامي 2013 و2014 بنيت على أساس أن البحرين ستبيع البرميل بسعر 90 دولاراً، أي هناك فارق يزيد على 30% في السالب عن السعر المتوقع، فماذا ستفعل الحكومة الآن لمواجهة هذا الطارئ المخيف على بند الموارد؟
بالتأكيد هناك خطوات وتدابير وإجراءات لابد أن توضع في الاعتبار، بالطبع هناك مداولات واجتماعات تناقش هذه الحالة الطارئة، إنما لا نسمع عنها ولا نعرف عنها شيئاً وربما هي غير موجودة أصلاً.. الله العالم!
في مجتمع ريعي كالمجتمع البحريني يعتمد أغلب دخل المواطن على الصرف الحكومي وتقدم له الحكومة الخدمات الأساسية مجانية كالتعليم والصحة ومدعومة كالسكن والكهرباء والماء والغذاء، وفي ظل المتغيرات السياسية التي طرأت على البحرين من وجود سلطة تشريعية منتخبة تنوب عن الشعب في تمرير القوانين ومنها قانون الميزانية والحساب الختامي، وإلى جانب السلطة المنتخبة سقف من التعبير تجاوز الحدود السابقة أصبح الرأي العام شريكاً فاعلاً في عملية صنع القرار.
في ظل هذه المتغيرات على الحكومة أن تستعد وتتهيأ كي تدافع عن قراراتها وإجراءاتها التي ستتخذها لإقناع هذا المجتمع الريعي بأنها ستكون عاجزة من الآن فصاعداً عن الصرف عليه كالسابق، وأنها لا بد أن تتخذ إجراءات تقشفية لتواجه هذا العجز، فكيف ستفعل ذلك وهي صامتة، وكيف ستقنعه وهو يرى موازين مائلة في أوجه الصرف بين الفئات المجتمعية، وهو يرى أوجه هدر لا تجد لها مبرراً مقنعاً إما لأن الحكومة لم تجهد أصلاً في إقناع الرأي العام بخططها وبرامجها أو لأن الصرف الذي تقوم به على تلك الأوجه ليس له مبرر من الأساس.
عادة في أحوال كهذه تنشط الحكومات لخلق أجواء نقاشية عامة تضع فيها المعلومات في متناول الجميع وتطلب من المختصين مشاركتها فـــي التفكيـــر فتنشــط المؤسســات المدنيــة وتشاركهــا وجوه من الحكومة في اجتماعاتهــا وتوظف الحكومة وسائل الإعلام لنقل هذا الجدل العلنـي حتـى إذا مـا اتخـذت أيـة «قـرارات» غيــر شعبية كان الجميع على بينة ومستعداً ومتهيئاً ولها أصدقاء وحلفاء يدافعون عنها، وهذا عكس ما يحدث الآن.
فالرأي العام ليس سلطة منتخبة فحسب، والميزانية ستقدم للسلطة التشريعية بعد عدة أيام وكل يحمل ضغوطاً، النواب المطالبون بتحسين الدخل والحكومة المطالبة بالتقشف، وبين هذين الوضعين المتناقضين تماماً تتسع الهوة بين ما تفكر به الحكومة وبين ما يفكر به الناس، وبسبب هذا الفراغ الصامت بين الاثنين زاد العجز وبسببه فشل مشروع إعادة توزيع الدعم وبسببه شحنت النفوس على أداء الحكومة وحدثت الاضطرابات ودفعت البلاد الثمن غالياً سياسياً ومالياً، وقد يكون أداء الحكومة أفضل ما يكون وقد يكون أسوأ ما يكون لكن هذه الهوة من الفراغ في الاتصال والتفاعل تحمل الأمور على محامل أخرى، ومع كل الدروس التي أعطيت للحكومة البحرينية في السنوات الأربع الماضية مازالت هذه الهوة موجودة ومازالت تتسع وتتسع، حتى وصل الحال بالرأي العام البحريني إلى ما يشبه حال الكلب (مكرم القارئ ومكرم المجتمع البحريني) الذي نقلته سيارة الإسعاف وهو مصاب بحالة هستيرية وتشنج لأنه طوال الوقت كان ينبح ليخيف شخصاً (أصمخ) أصم!!