قمة الفرح؛ هكذا أطلق عليها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبداللطيف الزياني، وهذا الاسم يعكس سعادة الشعوب الخليجية بعقد القمة الخليجية في موعدها وفي مكانها المقرر بعد أن هددت الخلافات التي دبت بين دول المجلس مقاطعة بعض الدول للقمة أو الاضطرار لتغيير مكانها. وبعد أن فرحنا جميعاً بعقد قمة الدوحة علينا أن نتذكر أن الخلافات التي هددت انعقادها كان سببها عدم اتفاق دول الخليج على الموقف من الجماعات التي صنفت بأنها إرهابية، وعدم الاتفاق على موقف من بعض القضايا الخاصة ببعض الدول العربية.
الأجندة التي أعلن عنها أنها ستمثل بنود القمة كانت تنقسم إلى محورين؛ الأول اقتصادي يتعلق بوضع دول الخليج الاقتصادي في ظل التدني المستمر في أسعار النفط. أما المحور الثاني فيتعلق بالوضع الأمني لدول الخليج العربي في ظل التطورات الأمنية الخطيرة في دول المنطقة، وسيتطرق هذا المحور إلى تشكيل قيادة عسكرية مشتركة لدول الخليج العربي، لم تعلن الأجندة كيف ستكون علاقة القيادة العسكرية بمشروع درع الجزيرة الذي تم تفعليه بشكل جيد في حرب الخليج الأولى ضد العراق عام 1991 وفي أحداث البحرين عام 2011.
إلا أن الأجندة التي كانت تستشعر اللحظة التاريخية الحرجة المحيطة بمنطقة الخليج وتستحضرها بشكل جيد، لم يعبر عنها البيان الختامي كما كان متوقعاً. فعلى الرغم من الارتياح العام من إجماع جميع دول الخليج على البيان الختامي غير أن البيان الختامي لم يكن قاطعاً وحاسماً في القضايا موضع الخلاف التي هددت انعقاد القمة، وخصوصاً فيما يتعلق بالملفات الشائكة لبعض الدول العربية. فعلى مستوى القضايا الخليجية جاء البيان مرحباً ومتبنياً ومؤكداً على القضايا الاقتصادية والأمنية والتنموية المشتركة بين الدول وداعياً الأمانة العامة وبقية أجهزة المجلس لمتابعة تلك المشاريع وإتمامها، وهي صيغ تتكرر في جميع القمم يقل أن توضح بنودها الإجراءات التالية أو كيفية تحويلها إلى برنامج عمل لأجهزة المجلس.
أما على صعيد القضايا المتعلقة بالدول العربية المجاورة، خصوصاً فيما يتعلق بالوضع الأمني فيها، فثمة ملاحظات عديدة لم يجب البيان الختامي عنها؛ ففي الشأن السوري تم التطرق إلى رفض الجرائم التي يرتكبها النظام والدعوة إلى الحل السلمي الذي سيحقق طموحات الشعب السوري وفقاً لمؤتمرات جنيف التي تجمع النظام السوري بالمعارضة. وفي الشأن العراقي تم الثناء على الدور السياسي للحكومة العراقية الجديدة ودورها في تحقيق أمن العراق واستقراره وبسط سيادته على كافة أراضيه، ولكن لم يتم مناقشة (الشق الإرهابي) الذي تأسس في سوريا تحت ذريعة الثورة السورية ثم انتقل إلى العراق لتشكيل امتداد إرهابي يطل بطوده الطويل على دول الخليج العربي. وعدم تطرق البيان إلى (الشق الإرهابي) في القضيتين العراقية والسورية قد يقلل من فاعلية البند الخاص بمكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتجفيف منابعه الوارد في البيان الختامي!!
الأمر نفسه ينطبق على الموقف من الوضع المصري الذي شكل أحد المآزق في العلاقات الخليجية قبل اتفاق الرياض التكميلي قبل نحو شهر، فعلى الرغم من تأكيد البيان على تأييد الرئيس عبدالفتاح السيسي ودعمه في تنفيذ خارطة الطريق، إلا أن البيان لم يحمل دعماً لمصر في الحرب التي أعلنتها ضد الإرهاب في سيناء، والتي تشنها ضد الجماعات الإرهابية. ولاشك أن الملف المصري هو أعقد الملفات في قمة الدوحة حيث أعلنت، في وقت سابق، معظم دول الخليج العربي جماعة الإخوان منظمة إرهابية وأعلنت دعمها وتأييدها الكامل لحرب مصر ضد الإرهاب، إلا أن قطر تحتضن العديد من القيادات الإخوانية، ومازالت قناة الجزيرة تشن حملات تحريضية ضد الحكومة المصرية، وهو ما يجعل الاتفاق الخليجي في هذا الملف اتفاقاً هشاً لحد الآن.
وعلى نحو مختلف كان البيان الختامي وافياً في تفصيلات القضية اليمنية، حيث بين موقف مجلس التعاون الخليجي من استمرار العمل بالمبادرة الخليجية وبمخرجات الحوار اليمني، وأدان تغول كل من الميليشيا الحوثية وعناصر القاعدة على الدولة وإعاقتهما للتحول السياسي السلمي في اليمن، وهو موقف اتسم بالوضوح وبشمولية المنظور للأزمات المتلاحقة في اليمن.
إن عدم تطرق البيان الختامي لبعض القضايا المرتبطة ببنود جوهرية في البيان نفسه يجعل قلقنا حاضراً على موضوع الاتفاق الخليجي في القضايا الخارجية التي خلقت بعض الخلافات بين الدول في وقت سابق. وهذا القلق نابع من تقدير اللحظة الخليجية الحرجة، ومن الحرص على استمرار منظومة دول الخليج منظومة قوية ومؤثرة في قضاياها الداخلية وقضايا الدول العربية المجاورة التي تؤثر ارتدادات مشكلاتها على استقرار دول الخليج وأمنها ورخائها الاقتصادي.
عقدت قمة الدوحة في وقتها وفي مكانها استمراراً لـ35 عاماً من تأسيس المجلس، وهذا أمر يدعو للفرح. وربما كان في تدرج الاتفاقات وفي الإعلان عن الاتفاقات العامة إعادة الروح وبعث التنسيق المشترك بالقوة السابقة نفسها. وهذا ما نتمناه وتطمح إليه شعوب المنطقة.