أن تحــب ذاتك فهذا أمـر طبيعــي، فـــلا يوجد إنسان لا يحب ذاته، ولا يوجد إنسان لا يتمنى الخير، كل الخير لنفســه، ولا يوجد إنسان إلا ويتمنى أن يحصل على ما حصل عليه الآخرون وما قسمه الله لهم من رزق؛ كل هذا طبيعي. أما غير الطبيعي فهو أن تعتقد أنك أفضل من الآخرين جميعاً، وتعتقد أن كل من شغل هذا المنصب أو ذاك لا يستحقه وأن من يستحقه فقط هو أنت، ولا أحد غيرك مهما كان أفضل منك.
هـــذه مشكلة كان يعاني منها البعـــض فــي مجتمعنا وصار يعاني منها اليــوم كثيرون، هؤلاء الذين ازدادوا بشكل لافـــت يضعون في كل من يحصل علـــى وظيفة أو منصب ما، كبيراً أو صغيراً، كل العيـوب والصفات السيئة وينزعون عنــه كل الإيجابيات والمزايا.
هنا مثال؛ عندما يتم توزير شخص ما ويحدث أن يلتقي أفراد تلك المجموعة بعضهم البعض -ولو على الواقف- يصير هذا الشخص (الوزير) هو كل الحديث، ويضعون فيه كل العيوب ويحولون مزاياه كلها إلى سيئات ونواقص، ويتساءلون عن السبب الذي جعل القيادة تختار هذا الشخص دون «غيره» ليشغل هذا المنصب؟ المفارقة هي أنه لو تم اختيار غيره لحدث ما حدث مع من سبقه ولقيل عنه ما قيل عن غيره!
والأمر نفسه يمارسه أولئك عندما يتم تعيين غيرهم في مناصب أخرى أقل ولكن يعتبرونها مهمة، ويعتبرون شاغلها ذا شأن في المجتمع، فكل منصب لا يشغلونه «هم» يعني أن المعنيين لم يوفقوا في الاختيار، وأن «خطأ كونياً» قد حدث لا بد من تداركه وإصلاحه.
هذه مسألة تحتاج إلى دراسة وبحث من قبل المتخصصين في علوم الاجتماع والنفس لمعرفة أسبابها وأسباب ازدياد الأشخاص الذين يعيشون هذه الحالة، وتبين مدى ارتباطها بالأوضاع التي صرنا نعيشها اليوم، فمن غير المعقول أن يقال عن فلان أو علان من الأشخاص الذين لم تخترهم الدولة إلا لأنها وجدت أنهم قادرون على شغل مناصبهم «إنه لا يفهم شيئاً وإنه لا يستحق هذا المنصب وإنه كان حرياً بالدولة أن تتريث لتحسن الاختيار»، فقط لأنه لا ينتمي إلى الطائفة التي ينتمون إليها أو الجمعية التي هم أعضاء فيها أو متعاطفون معها أو لأنه ليس «هم».
كانت دول مجلس التعاون إجمالاً حتى وقت قريب يحكم اختيار الأشخاص للمناصب الكبيرة فيها أمور أخرى ليس أولها الكفاءة، وهذا أمر لا ينكره أحد، لكن الأحوال تغيرت، فاليوم لم تعد معايير القبلية والعائلية والتوازن الطائفي والعلاقة الشخصية وجبر الخواطر هي التي تتحكم في التعيينات، أو بشكل أدق، لم تعد هي كل شيء، ذلك أن المرحلة صارت تحتاج إلى اعتماد معايير أخرى أساسها الكفاءة والإمساك بناصية العلم والتمكن من اللغات الأجنبية ومستوى الثقافة والقدرة على اتخاذ القرار، إضافة إلى الصفات الشخصية التي يتطلبها هذا المنصب أو ذاك.
المؤلم في أمر بعض أولئك الذين لا يرون في المشهد إلا أنفسهم هو أنهم لا يكتفون بالكلام و»التحندي» ولكنهــــم يوظفــــون كــــل طاقاتهـــم ومواهبهم في إعاقة نجاح من تم اختيارهم دونهم والتقليل من شأن أي نجــاح وتميز يحققونه، فيحفرون لهــم ويتآمرون ضدهم ولا يتركون فرصة إلا ويستغلونها للإساءة إليهم والتقليل من شأنهم لدى أصحاب القرار، من دون أي اعتبار للمصلحة العامة ومصلحة الوطن، فمادام أنه لم يتم إلباسهم المنصب فحقهم أن يخلعوه عمن تم إلباسه إياه.
حالة تستدعي الاهتمام والعلاج لا يستثنى منها إلا الفنانين، ذلك أن من طبيعة الفنان أنه لا يرى إلا نفسه، وهذا يدخل في الطبيعي.