بالأمس بدأت البحرين انطلاقة متجددة باتجاه العمل المؤسساتي التشريعي، وفي الوقت الذي افتتح فيه جلالة الملك حفظه الله الفصل التشريعي الرابع للبرلمان، يقف آخرون يندبون حظهم على عدم المشاركة، لا لأنهم لم يقرروا بأنفسهم المقاطعة، بل لأن أمر المقاطعة جاءهم بأمر عليهم إطاعته أياً كانت الظروف.إن كانت من تحديد لأطراف اللعبة السياسية في البحرين (نسميها لعبة مجازاً)، فإن الأطراف تتمثل بالدولة طبعاً صاحبة الدستور والقوانين المنظمة للحياة العامة، أيضاً الفئات الغالبة من الشعب التي وقفت موقفاً وطنياً خلال الأزمة ودافعت عن وطنها، وفي طرف ثالث «الولي الفقيه» وحده، ولن نقول من تطلق على نفسها جمعيات معارضة.نقول «الولي الفقيه» لأننا نعلم تماماً بأن من يعمل ضد البحرين ويواصل تشويه صورتها ويواصل التحريض ويدعم الإرهاب وبدافع عن ممارسيه، ليسوا طرفاً في المعادلة أنفسهم، فهم مجرد أدوات، إذ طرف المعادلة هنا متمثل بالشخص الذي يأمرهم و»غصباً عليهم» يطيعون.هم سيكذبون ما نفضحه عنهم بشأن حقيقة حراكهم في الفترة التي سبقت الانتخابات، سيقسمون ويحلفون بأن ما نورده ليس صحيحاً، وأعني به أن جماعة الوفاق كانت تريد المشاركة في الانتخابات الأخيرة، الجمعية التي «تنفخ» في أسماع وصدور أتباعها استماتت من أجل الوصول لأي صيغة تصنع لها «طوق نجاة» لتشارك وحتى لا تبقى في الشارع أربع سنوات قادمة، لكن كل هذا الحراك قضى عليه أمر واحد. ولسنا هنا نعني الدولة في طريقة إدارتها للحوار ورفضها لأي نوع من أنواع المساومات والصفقات، بل قبل ذلك -وهو ما يحسب له علي سلمان وجماعته ألف حساب- قبله ما يأمر به الولي الفقيه، ما يأمرهم به عيسى قاسم المعمد إيرانياً بصفة «آية الله».الوفاقيون ومن يسمون أنفسهم «قياديين» في الجمعية يعرفون تماماً أن هذا الوصف غير دقيق حينما أطلقوه على أنفسهم، فهم لا يقودون الناس أصلاً، بل هم فقط «موصلات» لأوامر الولي الفقيه، هم بأنفسهم لا يجرؤون على مخالفته الرأي ولا حتى على انتقاده. من هو أسير إرادته ورأيه ومسلوبة حريته هم الوفاق قبل أي إنسان في هذا البلد. وما يثير الشفقة أنهم يدعون بصراخهم الإعلامي أنهم يدافعون عن حرية الناس بينما هم أصلاً لا يملكون حرية الإدلاء برأيهم والتمثل بمواقفهم حينما يقول لهم الولي الفقيه العكس.ألا يمتلك «قياديو» الوفاق الشجاعة ليصارحوا شارعهم ويخبروهم بالوضع في انتخابات 2002 حينما صدرت الفتوى بتحريم المشاركة النيابية رغم أن علي سلمان كان مستميتاً على المشاركة ومؤيداً لها، في وقت سمح فيه للبلديين منهم كجس نبض. أخبروهم لماذا تغيرت الفتوى في 2006؟! أليس ذلك حينما أحست الوفاق بأنها كما الطفل الحافي يلعب في الشارع ولعبه لا يفضي إلى أي نتيجة؟! لماذا تغيرت الفتوى بشأن التقاعد النيابي، فتحول من حرام إلى حلال؟! لماذا لم يسحب علي سلمان جماعته من الدوار بعد أن اتفق مع الدولة على ذلك؟! أليس لأن عيسى قاسم «عرفه» بحجمه وأجبره على كسر كلمته لأنه لا يملك أصلاً حق التقرير بدلاً عن الولي الفقيه؟! لماذا شاركوا في انتخابات 2010 وأبرزوا ما اعتبروه «إنجازات وفاقية» في المجلس عبر «بروشور» ملون ضخم فاخر الطباعة تحت عنوان «لماذا تختار مرشح الوفاق؟!»، ثم عادوا ليشتموا في البرلمان في 2011 وانسحبوا منه؟! لماذا إذاً محاولات عقد صفقات خفية، والتصريح بشأن الانتخابات بصيغة «الميت على المشاركة» لكن هناك ما يمسكه؟! صارحوا شارعكم.نحن لسنا نتعامل مع شخصيات متعددة وقيادات (كما يسمون أنفسهم) متعددة تختلف في الآراء والتفكير والتوجهات، نحن نتعامل مع «تكتل أتباع» مسلوبي الإرادة، معتقلي الرأي والفكر، أدوات تنفيذ لا مصادر تخطيط، ما يقوله عيسى قاسم يسري على الجميع ولا يملك علي سلمان ومن معه حق الرد أو النقاش حتى، فقط يملكون التوسل له بالقول «دونك روحي» كما يكتبها «خادمه» على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي.طبعاً لا تسألونا عن الجمعيات «الليبرالية اسماً»، إذ هي في أدنى رتبة، فهي تابعة لأتباع الولي الفقيه التابع لمرشده الأعلى. تاريخ الجبهة الشعبية والتحرير مسحوه مسحاً، ولا تجد لديهم اليوم إلا «بكائيات» على التاريخ والماضي الغابر الذي باعوه بثمن بخس للوفاق.عموماً عيسى قاسم له وضعه وتنصيبه من مرشد إيران، لكن المفارقة أن جماعته «يقطعهم الندم» على تفويت الفرص تلو الأخرى، هو لا «تفرق» معه جلوسه في بيته أو كلامه من على منبره، لكن أتباعه هم من يمضي عليهم الوقت ويخسرون الفرص تلو الأخرى. منهم من يريد أن يكون وزيراً، سفيراً، شورياً وكثيرون يريدون الدخول كنواب، لكنهم كما الأب حينما يمسك «المصروف» عن أبنائه، ماسك بنواصيهم، ينفذون ما يؤمرون به فقط، والمخالفة تعني مخالفة أوامر المرجعية الأعلى التي يمثلها «ولي الأمر» لديهم، والذي هو «الولي الفقيه» الأكبر كما وصفه الخميني وأحمد النراقي والفاضل المراغي ومحمد حسن النجفي ومحسن خنفر النجفي بأن الولي الفقيه له «الولاية التامة المطلقة العامة».خلاصة القول، أن ما نورده بشأنهم لم يعد في إطار المواجهة الإعلامية للتصدي للمغالطات والفبركات والأكاذيب، بل هي «تعرية» لحقيقتهم، وتناقض شعاراتهم، والتمثل بأمور هم أصلاً لا يملكونها. وعليه لا يوجد في البحرين ما يمكن وصفه بـ «المعارضة الحرة»، بل هي مجموعة تابعة لرجل واحد، تأتمر بأمره، والويل والثبور لها إن خالفت أوامره.سنتركهم في «حسرة» الخروج «صفر اليدين»، أمامهم أربعة أعوام من اللعب في الشارع ومحاولة التوسل مجدداً للغرب، بينما البحرين تعيش أيامها الجميلة مجدداً، تصلها غداً بأعيادها الوطنية وتمضي بعدها في مسيرة متجددة في التطوير والبناء وتعزيز الممارسة الديمقراطية.