ما حدث في البحرين قبل ثلاث سنوات هو أن جمعية الوفاق أطلقت إلى الشوارع وحشاً صنعته بيديها لتخيف به الحكومة، أملاً في أن تظفر بشيء ما خططت له وظل يشغل بالها. وما يحدث اليوم هو أن هذه الجمعية لم تعد قادرة على الإمساك بذلك الوحش الذي أطلقته، وتعلم جيداً أنها لو حاولت ذلك فسينهشها، لذا فإنها فضلت أن تتركه يعبث كما يشتهي لعل أمراً ما لم يكن في الحسبان يحدث يؤدي إلى تغيير المعادلة لصالحها، فتتمكن حينها من لجم ذلك الوحش والظفر بما تمنت أن تظفر به.
هذه باختصار كل القصة؛ ما حدث في البحرين منذ فبراير 2011، وما يحدث اليوم، لكن النهاية لا تزال غير واضحة، حيث السيناريو الذي وضعته الوفاق اضطرت لتغييره، فليس من العقل أن تترك الفرصة لوحشها الذي صنعته بيديها أن ينهشها.
واضح أن الوفاق اعتقدت أن الأمر ليس أكثر من نزهة سريعة يسقط في نهايتها النظام فتتسلم هي مقاليد الحكم وتحصل على ما وعدت به من أطراف خارجية، فتقيم «دولة العدل» حسب منظورها. لم تتوقع الوفاق كل ما حدث بعد ذلك، لذا خسرت كل شيء وصارت في وضع لا تحسد عليه، فهي لم تعد قادرة على فرض أي قرار على الشباب الصغير الذين نثرتهم في الشوارع ليختطفوها وينشروا الفوضى، وتعلم جيداً أنها لو حاولت منعهم فإنهم سينهشونها نهشاً.
الوفاق اعتبرت أولئك الصغار مجرد أداة تستغلها لتحقيق أهدافها والوصول إلى مراميها، لم تتوقع أبداً أن تتحول هذه الأداة إلى مصدر تهديد لها يمنعها حتى من اتخاذ القرارات البسيطة (اليوم لا تستطيع الوفاق فعل أي شيء إلا بموافقة أولئك الشباب الذين ينضوون تحت راية ما يسمى بائتلاف فبراير، ولا تستطيع الإدلاء بأي تصريح لا يرضى عنه الائتلاف). لتجرب الوفاق وتصدر بياناً واضحاً لا لبس فيه ضد من يقومون باختطاف الشوارع والتسبب في أذى الناس، أو تتخذ قراراً واضحاً بعدم التعامل مع كل من يمارس أعمال التخريب، ثم لتنظر ردة فعل أولئك الصغار الذين صنعتهم على عينها. ما سيحدث هو أن أولئك الصغارسيضعون الوفاق في خانة الضد وسيذيقونها الويل، وستكون العملية الأولى والأخيرة لهم في صباح ومساء كل يوم ضدها وعند مقرها.
اليوم لم تعد الوفاق قادرة على منع أولئك الشباب -الذين يبدو أنها شحنتهم أكثر من اللازم- من ممارسة كل فعل يريدون ممارسته حتى وإن كان ضدها، وهي تعلم أنها لو حاولت ذلك فستخسر الكثير وسيخرج أولئك في مظاهرات ضدها ويلعنونها و»يفلعونها». لهذا فإنها آثرت الصمت والمهادنة وقبلت بكل الخسائر التي ليس أولها فقدانها المقاعد الثمانية عشر في مجلس النواب وقطع الشعرة التي بينها وبين الدولة، وليس آخرها تأثر العلاقة بينها وبين من شدت الظهر بهم من الأمريكان والأوروبيين الذين لا يبحثون إلا عن مصالحهم وأثبتوا لها ذلك مباشرة بعد نجاح الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة التي أثنوا عليها ولاموا الوفاق بسبب مقاطعتها لها.
عن المخرج من كل هذا كتب لي مهتم بالشأن السياسي «المعارضة محتاجة إلى وقفة تقييمية تلقي فيها الضوء على الخسائر والفوائد منذ 2011، وإذا تم ذلك بالصورة الصحيحة الفاحصة الدقيقة فإنه من المؤكد سيكون الوضع مختلفاً». وصفة لا تصدر إلا عن العقلاء، فالمعارضة -الوفاق وغيرها- لا سبيل أمامها سوى التوقف عن هذا الذي تمارسه لتقييم نفسها وحساب الربح والخسارة منذ بدء مغامرتها، فإن تم هذا بالصورة المطلوبة فإنها ستتبين ماذا فعلت في حق الوطن منذ أن قررت صناعة ذلك الوحش النهاش وإطلاقه.