إذا كنت ممن يصدقون أن أمريكا دولة ديمقراطية من الطراز الأول ومن المؤمنين أنه بلد الحريات، وأن من المفروض أن نستقبل مبعوثيهم وسفيرهم ونستمع إلى نصائحهم عن كيفية احترام حقوق الإنسان وسبل التعامل مع الإرهابيين؛ فلن يزعجك ويكدر صباحك ما سأقوله لأنك غارق في وهم لن تفيق منه إلا حين يمسك الظلم بطرف ثوبك ويأتي عليك الدور، ورغم أني أكاد أيأس من الفوز في تغيير قناعاتك، إلا أني أدعوك اليوم لقراءة هذا المقال.
الوقائع التي ستقرؤها هنا في حدود ما تسمح به المساحة من تفاصيلها المحزنة والمقرفة في الآن نفسه، نشرتها جميع وكالات الأنباء والصحف والفضائيات في العالم ما عدا الـ CNN طبعاً، نقلاً عن تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي حول برنامج الاستجواب والتعذيب الذي نفذته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش. الجديد في هذا التقرير هو جهة إصداره، بما يعنى أنه يمثل أول اعتراف رسمي أمريكي من إحدى مؤسسات النظام الأمريكي صاحبة الصفة، وبالتالي صار التعاطي معه كواقع لا يقبل التشكيك أو التبرير، وغير مجد أبداً الدفاع عنه، ورغم محاولات (CIA) غسل سمعتها بحجة أن تلك الممارسات ساهمت في حماية الأمريكيين والأمن القومي لبلادهم؛ إلا أن ذلك لم يكن مقنعاً.
فما جاء في التقرير يشكل وصمة عار في جبين واشنطن سيطاردها إلى أبد الآبدين، بكل ما تضمنه من وقائع وأهوال وتفاصيل حول أساليب التعذيب، وسياسات الاستجواب، واستخدام كل الوسائل في عمليات الضرب المبرح دون انقطاع، الحرمان من النوم تماماً لمدد وصلت أحياناً إلى 180 ساعة متصلة، الحبس الانفرادي أسابيع وشهوراً في زنازين بلا نوافذ ومعزولة، وغارقة في ظلام دامس كل ساعات اليوم، تجويع المعتقل وتعطيشه أياماً طويلة ثم تغذيته وحقنه بالسوائل قسراً من فتحة الشرج، التعرية التامة وتعريض السجين للبرودة الشديدة لساعات وأيام، وأحياناً إلى أسابيع، وحصاره بضجيج شديد وضوضاء مستمرة، استخدام تقنية الإيهام بالغرق أو وضعه في ماء مثلج، بجانب حشر المعتقلين في زنازين خرسانية ضيقة جداً تشبه التابوت، وأقنعهم الحراس بأنهم سيبقون هكذا حتى الموت. لم يكمل أفلام التعذيب الأمريكية والتي من المفترض أن تشارك به الـ (CIA) في مهرجان الأوسكار القادم، بالإضافة إلى ما تقدم؛ جرى استخدام تقنية الخنق ومنع السجين من التنفس لمدة طويلة وعدم تركه إلا عندما يصل إلى حافة الموت، وقد تعرض المساجين جميعاً لعمليات إذلال مستمرة وممنهجة، وعبر أساليب وأشكال مختلفة مثل إجبارهم على قضاء حاجتهم في حفاضات وجرادل، واستعملت أيضا وبكثافة وسيلة الحبس في زنازين قذرة مليئة بالحشرات مع تكبيل المعتقل وإجباره على البقاء لأيام في أوضاع قاسية ومجهدة، أشهرها إجباره على الجلوس راكعاً مع وضع عصا بين الساقين والوركين، وتهديده بالانتقام من أهله وذويه وإيذائهم جنسياً واغتصاب الأم أو الأخت أو الزوجة؛ بل والأطفال أيضاً!!
سيداتي آنساتي سادتي.. إليكم حقيقة أمريكا والتي تحاضر كل يوم أمام العالم وتقدم دروساً في الفضيلة..
ثم بعد.. أما آن لها أن تخرس الآن؟!