في السياسة الكل يتفق -عدا المجانين- أن في حال وجود مشكلة سياسية، فحينها لا يكون الحل إلا سياسياً صرفاً، ومن يبتعد عن الحل السياسي أو يأخذ بخيار غير الحل السياسي فإن العنف ستكون نتيجة حتمية للحل «الغلط»، وفي حال غاب الحل السياسي فإن الحل الأمني سيأتي مهرولاً ليأخذ محله، وفي هذا الحال سنكون كمن يرسم علاجاً لا يتناسب وطبيعة المرض، ما يشكل خطراً على سلامة المريض.
لم تنجح كافة دول وشعوب الربيع العربي التي عاشت أزمات سياسية خطيرة ومتتالية، فعالجتها بالطرق الأمنية أو بطرق العنف الذي مع مرور الوقت، تحول إلى أبشع أنواع الإرهاب.
هنالك اليوم نماذج صارخة في وطننا العربي والتي لم تعالج أزماتها السياسية بالطرق السياسية، بل عالجتها بالطرق الأمنية أو عبر طرق الموت الرخيص، نجدها اليوم تعيش أبشع أنواع العنف الذي لم تشهده حتى إبان تخلصها من مرحلة الاستعمار العالمي، فمشاهد الذبح والموت والرصاص والتفجير والتخريب وتدمير البنى التحتية والفوقية والمستقبلية، وهدر الطاقات الشبابية والثروات الطبيعية في كافة العواصم العربية التي شهدت حراكاً شعبياً بعنوان «الربيع العربي» يلخص لنا الحكاية.
أصبحت مناظر الفوضى والموت والعنف والقتل واستباحة الدماء والأعراض أمراً طبيعياً ويومياً في دول الربيع العربي، فما يجري في ليبيا على سبيل المثال يعد جنوناً ليس بعده أي جنون، ولو صبرت ليبيا على جنون «القذافي» لكان لها خير ألف مرة من أن تعيش في ظل الوضع الراهن.
نحن لا نبرر وجود الطغاة أبداً؛ لكن ليس من قناعاتنا القبول بالفوضى التي لا عنوان لها في حياة الأمم والشعوب، فحين يكون الترجيح بين خيار أن يعيش الإنسان في ظل نظام فاسد أو أن يعيش في ظل «اللانظام»، فإن العقل يتجه للخيار الأول، فبقاء الإنسان في ظل وجود نظام -سواء كان فاسداً أو صالحاً- أفضل من يوم واحد بلا نظام، فاللانظام سينتج لنا ألف طاغية وظالم، وحينها ستتحول الدولة إلى غابة، وهذا الرأي تماماً ما ذهب إليه أعظم الحكماء علي بن أبي طالب في إحدى درره حول هذا الشأن.
في البحرين يجب الاستفادة من دروس التاريخ والدول المحيطة بنا في الإقليم، فالأنظمة التي سقطت في فترة الربيع العربي لم تنتج لنا حتى هذه اللحظة ديمقراطية واحدة حقيقية، بل أنتجت دكتاتوريات «ألعن» من أختها، فمشاهد حز الرؤوس يعتبر ألطف المشاهد التي يمكن أن نتسلى بها وقت الكدر، وهذا ما لا يمكن تقبله في المنامة على الإطلاق. فليكن التصحيح السياسي ولنطالب بالتغيير الديمقراطي، لكن ليس بالطريقة التي تريدها أمريكا ودول الغرب، ومن حق كل الشعوب أن تسعى للديمقراطية، لكن ليس بالصورة التي نشاهدها اليوم في عواصم الدول العربية من فوضى وخراب، لأن الإشكالية التي لم نتجاوزها بعد هي أن الكثير من الشعوب والأنظمة العربية حاولوا جميعهم معالجة أزماتهم السياسية بالطرق العنيفة، والتي لم تنتج سوى عنفاً أكبر من سابقه، فالأزمات لا تعالج بالأزمات وإنما تعالج بالحول السياسية فقط.
نبذ العنف وإيقاف قطار الكراهية والوصول إلى أكبر قدر من التفاهمات والقبول بالحل السياسي والحوار البناء بعيداً عن العنف أو الحلول الأمنية، هو المخرج الوحيد لمشكلتنا السياسية في البحرين، ومن يقول غير ذلك فهو من المستفيدين من إطالة أمد المشكلة.. والله المستعان.