تتزين مملكة البحرين بوشاح مطرز بالألوان كطيف الربيع متناسق جميل، وحق لها أن ترتدي حلة العيد بعد أن تخطت الصعاب وأثبتت للعالم أن شعبها مجبول بحبها، فطاشت في تلاحم أهلها صحائف الباطل وتداخلت السطور بعد أن خطت بألوان باهتة ما لبثت أن تلاشت مع أول بزوغ الشمس بلا رجعة وإلى أفول.
غدت البحرين اليوم عنواناً للاستقرار وأملاً للأحرار بعد أن كاد يدب اليأس في النفوس لما وصل به حال أمتنا، حيث اجتاحت أمتنا الحروب العبثية ثم الفوضى الخلاقة بتسارع رهيب، فانفرط العقد بسقوط بغداد السد المنيع الذي ربما فاق ألمه جرحنا الغائر في فلسطين.
ولم ننته بعد من رثاء بغداد الرشيد فإذا بنا نفجع بالشام، قلعة العروبة والإسلام التي تصدعت أركانه، والكل يحبس أنفاسه من هول ما سيحدث إن هوت تلك القلعة الشماء بأهلها المساكين.
ثم تدحرجت كرة النار صوب مغربنا العربي الأصيل؛ واستعرت في طرابلس الدهماء لتحيلها إلى مقفرة غبراء، وتطاير الشرر إلى اليمن السعيد ليصهر بلداً كان يوماً داراً للحكمة والإيمان «إنما الايمان يماني». لتبدء منه مرحلة التفتيت وتوزيع الأدوار وتقاسم النفوذ، وكأنها عقيقة وليد أو أضحية عيد.
وسط هذه الأجواء الملبدة بالغيوم والرياح السموم يتسلل لنا من بين طباقه المتراكبة شعاع نور متلألئ صاف أضاء لنا فسحة نهتدي بها بعد عتمة أنستنا نعمة النظر، وصدح صوت ساحر ملء أركان بيتنا سروراً بضحكة وليد من مهد حضارة دلمون، بعد أن سئمت أسماعنا المبكيات من الترانيم ليبعث فينا الأمل بعد أن حز الأسى والحزن في وجناتنا أخاديد، وطبع في جبهاتنا الداكن من الخطوط.
تحل علينا اليوم أعيادك يا بحرين، يا ملاذ الأحرار وموطن الأخيار، ونحن بأمس ما يكون لمن يمسح على رؤوسنا ويكفكف دموعنا، فحالنا يا أمنا يا البحرين أمسى كاليتيم، فنحر دون رحمة أمام ناظريه أباه وكبلت أيدي أخوته بالأصفاد، وانتشر في بيتنا الكبير اللصوص وشذاذ الآفاق.
حرسك الرحمن وشعبك الأصيل، وبوركت يا بحرين يا من لحكمة وأمر عظيم قد اصطفاك الله، واختارك في ظرف ومخاض عصيب، لقد حفظك الله ونجاك من الكثير من الفتن والمهلكات ورد أيدي المتربصين إلى نحورهم ونجى البلاد من شرورهم.
لن تموت الأمم، لكن ربما لمرض تفتر الهمم، والبحرين هي جزء حي نابض من أمة عظيمة ما زال بفضل الله معافى ومنعقد فيها الخير والأمل.
عيدك أصبح عيداً مشاعاً ومناراً لكل العرب والأحرار.. يا رمز الوفاء ويا قلعة الحب والعطاء.