لم يكن خطاب عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله خلال افتتاح دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الرابع تقليدياً، بل حمل رسائل هامة تعكس حرص جلالته على تلمس احتياجات المواطنين، والاهتمام بها، والتعبير عنها من أجل أن يكون المواطن هو الهدف الأول في أي عملية إصلاح أو تطوير.
الخطوط الرئيسة التي قدمها العاهل لأعضاء البرلمان أمس تأتي امتداداً لتوجيهاته للحكومة الجديدة بالتفاعل مع المواطنين والتواصل معهم عن قرب وتكثيف الزيارات الميدانية.
الخطاب السامي اهتم بشكل لافت بتحقيق «التنمية المستدامة»، مركزاً على تطوير الاقتصاد ليكون أكثر ثباتاً وقدرة على مواجهة تداعيات الأزمات الاقتصادية الدولية. بهذا الاهتمام والتركيز يوجه العاهل أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى الاهتمام أكثر بالشأن الاقتصادي، بدلاً من الإفراط في التركيز على الشأن السياسي. فالأولوية هنا اقتصادية وليست سياسية، لأن الاقتصاد يسهم في التنمية التي تؤدي إلى حالة من الرخاء ثم الاستقرار بمختلف مستوياته وأنواعه.
إلا أن الاهتمام الاقتصادي لا يعني تجاهل اتخاذ إجراءات حفظ الأمن والاستقرار، ومواجهة التحديات الأمنية في منطقة باتت غير مستقرة. وهو ما أشار إليه جلالته عندما تحدث في الخطاب السامي عن توصيات المجلس الوطني لمحاربة الإرهاب.
الخطاب السامي لجلالة الملك حفظه الله تكوّن من 1283 كلمة، نحو 44 بالمائة منها تناول ملامح جديدة للسياسة الخارجية للمملكة، وهي سياسة تقوم على مبادئ واضحة ومرنة في التعامل مع التطورات الإقليمية والدولية. لذلك أشاد العاهل بالقرارات الخليجية الأخيرة لقمة الدوحة والتي تضمنت إقرار القيادة العسكرية الموحدة، واعتماد مركز العمليات البحري الموحد ومقره المنامة، وإنشاء الشرطة الخليجية. وهذه الإنجازات تحسب لقادة الخليج، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين، الذين حرصوا على تجاوز المرحلة السابقة، والبدء في مرحلة جديدة تحو التكامل من أجل الانتقال إلى الوحدة.
العمق العربي الأصيل لم يكن بعيداً عن أطروحات الخطاب السامي، فجلالته قدم رؤية متقدمة تقوم على دعوة الدول العربية إلى التوافق وتجاوز الخلافات البينية للحفاظ على الكيان العربي باعتباره «قوة إقليمية فاعلة»، وهذه الرؤية تأتي دعماً لمبادرة جلالة الملك السابقة لإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان.
كما واصل العاهل تقديم رؤيته للسياسة الخارجية خلال السنوات المقبلة بتأكيد أهمية تعزيز التحالفات الإستراتيجية مع الدول الصديقة وفق مبدأين أساسيين وهما الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وهذه الرؤية تنطلق من سياق بدأه جلالته منذ نهاية العام 2013 عندما دشن جولته الآسيوية التاريخية.
رسائل كثيرة، وأطروحات هامة قدمها جلالة الملك أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية بالأمس، وبقيت المسؤولية على أعضاء الحكومة والبرلمان للإسراع في تنفيذ هذه الرؤى من أجل البحرين الوطن والمواطن.
يوسف البنخليل