ببساطة ومن دون أي اعتبار لكل المساعدات التي قدمتها بريطانيا لها واحتضانها لعناصرها كل هذه السنين ومنحهم اللجوء السياسي ودفاعها المستمر عنها؛ هاجمت «المعارضة» بريطانيا وقالت عنها ما قالت فقط لأن سفيرها قال كلمة حق عن الانتخابات في البحرين، هكذا صارت بريطانيا العدو رقم واحد لـ «المعارضة» وأظهر فيها «المعارضون» من العيوب ما لم يكن فيها قبل قليل، فتحولت من صديق إلى عدو، ومن مدافع عن الحق إلى متعاون مع الشيطان وممثلة له، وليس بعيداً أن يتم اختطاف شوارع في لندن وإشعال النار في إطارات السيارات هناك حتى يصدر نفي صريح من الحكومة البريطانية يفيد بأن ما قاله سفيرها «لم يكن دقيقاً».
الأمر نفسه سيحدث مع الولايات المتحدة بعد وقت قصير، حيث يكفي أن يدلي أحد مسؤوليها بتصريح لا يطرب «المعارضة» حتى يتم وضعها في الخانة نفسها التي تم وضع بريطانيا فيها بسبب تصريح سفيرها لدى المملكة، والأمر نفسه يمكن أن يحدث مع أي دولة «تجرؤ» على التصريح بشكل لا يرضي هذه «المعارضة».
المعاملـــة نفسهـــا التـــي اعتمدتهـــا هــــذه «المعارضة» في الداخل اعتمدتها مع الخارج، ففي الداخل اعتبرت كل من ليس معها «عبيداً وبلطجية وطبالة وخونة» وقررت أنهم يعملون ضد الإنسانية والحق والضمير وألبستهم كل صفة سيئة، فكل من لا يقول بقولها ولا يعمل معها خارج عن الملة، وفي الخارج اعتبرت كل المساعدات والتسهيلات التي قدمتها دول الغرب، ولاتزال، لتتمكن «المعارضة» من تحقيق بعض أهدافها دون القيمة طالما أن واحداً ينتمي إليها ويمثلها قال كلمة يمكن للحكومة هنا أن تستفيد منها، حيث القول إن الانتخابات النيابية والبلدية كانت مهمة وناجحة وشفافة يعتبر بمثابة شهادة للحكومة وإساءة لـ «المعارضة» وتحامل غير مبرر عليها.
ليس مستبعداً أبداً أن تطالب هذه «المعارضة» بعد قليل بطرد السفير البريطاني من البحرين واعتماد بريطانيا لسفير جديد يتعهد ألا يقول ما لا يرضيها، وليس مستبعداً أن تطالب الولايات المتحدة بتعهد سفيرها المتوقع أن يخلف سفيرها الحالي بأن يكون «خوش آدمي»، تماماً مثلما أنه ليس مستبعداً أن ترفع أمر كل من يصرح من السفراء الأجانب تصريحاً لا يرضيها إلى الأمم المتحدة لاتخاذ اللازم بشأن بلاده.
مسخرة؟ هي بالفعل كذلك؛ وتأكيد على أن هذه «المعارضة» لاتزال دون القدرة على العمل السياسي، فهل يعقل من سفير بريطانيا التي تربطها بالبحرين علاقات تاريخية وتعاون في مختلف المجالات وتربط بينهما مصالح مشتركة أن تقول عن الانتخابات التي رأى العالم كله كيف جرت وكيف كانت ناجحة بأنها لم تكن كذلك فقط لترضي «سين» أو «شين» من هذه الجمعية أو تلك؟ وهل يمكن للولايات المتحدة التي تربطها بالبحرين أمور كثيرة هي من شأن الدول أن تقول عن أخطاء «المعارضة» بأنها صح وتتغاضى عنها وتقول عن صح الحكومة بأنه خطأ فقط لإرضاء «المعارضة»؟
هذا المستوى من التفكير يفضح المنتمين إلى هذه «المعارضة» ويؤكد أنهم دون القدرة على العمل السياسي، فمثل هذه الأمور تعتبر من ألف باء السياسة والعلاقات بين الدول. طبعاً غني عن القول إن بريطانيا والولايات المتحدة تربطهما بالبحرين اتفاقات لا يمكن إلا الالتزام بها، حتى لو «خذت الوفاق على خاطرها»!
السياسي الحقيقي في مثل هذه الأحوال ينظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة، فيتساءل مثلاً عن مدى تأثير ذلك التصريح على عناصر «المعارضة» المقيمين في لندن، وهل أن التصريح يعني أن الحكومة البريطانية قررت أن تمسك يدها عنهم وتخرجهم من حضنها الدافئ وتطلع «المعارضة» على حجمها الحقيقي؟