هنالك أمور كثيرة من شأنها أن تؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على حركة السوق وبكل القضايا التي تتعلق بانتعاش الاقتصاد المحلي. هذه العوامل الاقتصادية والتجارية تتداخل فيما بينها وربما تتقاطع مع قضايا السياسة والاجتماع وغيرها من الأمور التي تترك بصماتها الواضحة في حركة السوق العمومية.
سنتناول هنا قضية مهمة جداً في هذا الشأن، لأنها تلامس واقع الناس والسوق بطريقة متوازية، ألا وهي قضية زيادة الرواتب ورفع مستوى دخل الفرد البحريني، هذه القضية التي كانت وما زالت حديث الشارع في البحرين، والتي كانت مثار جدل واسع داخل أروقة مجلس النواب، حتى انتهت بالفشل التام.
يشتكي اليوم الكثير من التجار من كساد عنيف يضرب الأسواق المحلية، وفي جولة سريعة لمجمعاتنا التجارية أو حتى أسواقنا الشعبية، ستجد أنها خاوية على عروشها، فالانتعاش الذي عرفت به أسواق البحرين بدا باهتاً سوى في بعض المناسبات التي لابد منها، ومع ذلك تظل حركة السوق باردة للغاية بقية أيام العام.
حين يكون راتب المواطن مفصلاً تفصيلاً دقيقاً على مقاس احتياجاته الرئيسية جداً، كالطعام والشراب وبعض المستلزمات الضرورية مثل التعليم والصحة، فإن كل الأمور الكمالية وربما بعض الضروريات لا يمكن الاستمتاع بها، ولهذا فإن حركة السوق كل السوق ستكون خاضعة لقيمة الراتب، فحين يكون الراتب موزعاً بين قرض وأكل وشرب ومستلزمات ضرورية، فمن البديهي أن يضع التاجر في مجمعاتنا التجارية يده على خده مدى الحياة، في انتظار زبون من هنا أو هناك، أما من يبيع الكماليات الفاخرة، كالذهب والمجوهرات والساعات وعلب المكياج والملابس والفساتين الجميلة وغيرها من الأمور التي تعج بها مجمعاتنا التجارية، فإنها ستظل معروضة كالتحف في متاجر لا يستطيع المواطن صاحب الدخل الضعيف أن يدخلها ولو للمشاهدة فقط!
إن الرواتب الضعيفة وزياداتها الخجولة لن تنعش السوق أبداً، مهما تحسنت وتوفرت بقية العوامل التي من شأنها إعطاء السوق شحنات من الحياة، فالسوق تعتمد بشكل أساسي على جمهور المواطنين، وليس فقط على السياح الذين يأتون للتبضع في المناسبات، ولهذا فإن الكساد الذي تشهده السوق، هو بسبب ضعف الرواتب أكثر من أي أمر اقتصادي آخر.
لا يمكن أن تكون نسبة الزيادة في رواتب المواطنين من القطاعين، بذات الطريقة التي كانت عليه قبل أكثر من 40 عاماً من اليوم، فالزيادة وصلت في بعض القطاعات التجارية والخدماتية في البحرين لأكثر من 500%، بينما لايزال البعض، لا تتعدى زيادته 3% فقط من كل عام، وربما تصل رواتب بعضهم من العاملين في القطاع الخاص نحو 150 ديناراً بحرينياً فقط، أي ما يعادل نصف سعر الموبايل الذكي، فهل يستطيع المواطن «أبو نص موبايل» أن يتسوق في المجمعات التجارية؟
رابطة النواب السابقين رفضوا زيادة الرواتب، وها هو السؤال اليوم يطرح من جديد من طرف المواطنين، هل سيكون للنواب الجدد مفعول جدي في إحداث ثورة في فكرة زيادة الرواتب، أم سيكون همهم الأول والأخير زيادة رواتبهم فقط؟ أم سيظل المواطن البحريني يعيش على الأولويات من دون أن يعيش بقية حياته على بقية الضروريات الأخرى؟
من المعيب أن يصل عمر راتب المواطن البحريني إلى عشرة أيام فقط، وبقية الشهر يعتمد على المعونات أو على مدى قدرته على الاشتراك في جمعيات شهرية مع»الربع» والأهل، وبعدها يتساءل أهل الاقتصاد والسوق؛ لماذا حركة أسواقنا المحلية ضعيفة؟ الإجابة أوضح من أن يناقشها فيلسوف، أما بالنسبة لرواتب المتقاعدين فهذه مسألة تدمي القلوب الرحيمة.