نجح الجمهوريون، بعد أن بسطوا سيطرتهم على مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ، في إرباك باراك اوباما ومحاصرته، بعد أن استطاعوا تمرير قانون «دعم الحرية في أوكرانيا» الذي ينص على فرض عقوبات «جديدة» على روسيا، وخصوصاً تقديم أسلحة «فتاكة» إلى نظام الحكم «الجديد» في كييف، الذي لم يتردد رئيسه ولا رئيس وزرائه في إعلان «أوروبيّتهم» ورغبتهم غير المحدودة في الانضمام للمنظمات الغربية السياسية والعسكرية، وعلى رأسها حلف شمال الاطلسي، بعد أن تم إلغاء قانون «حياد أوكرانيا» الذي كان بمثابة محاولة لطمأنة موسكو بأن كييف لن تجلس في الخندق الغربي المقابل.. لكن الأمور خرجت «في ما يبدو» عن نطاق السيطرة، وباتت مفتوحة على كل الخيارات والتوقعات وبخاصة المتشائمة منها، والتي تعززها ردود فعل موسكو الغاضبة والمُحذّرة والمتوعدة بإجراءات انتقامية، وأنها «لن تدع ذلك يمر» وأن «المشاعر المعادية» لروسيا هي التي حرّكت الكونغرس كي يتخذ قرارات كهذه..
وإذا كان لافتاً بحق، أن يحظى قانون «دعم الحرية في أوكرانيا» بإجماع نواب وشيوخ الحزبين الرئيسيين الجمهوري وبخاصة الديمقراطي، الذي ينتمي إليه أوباما، وترحيب حكومة كييف بالطبع، التي وصفته بالتصويت «التاريخي»، فإن الأنظار متجهة إلى الأخير، وما إذا كان سيوقع القرار وبالتالي يضعه موضع التنفيذ؟ أم أنه «سيركنه» مؤقتاً في انتظار التطورات الدولية المتلاحقة، والتي لا تترك خيارات واسعة لسيد البيت الابيض، الذي بات الآن اقرب إلى بطة عرجاء منه إلى رئيس «قوي»، لم يكمل سوى نصف مدته الرئاسية (الثانية) يستطيع خلال العامين المتبقيين (أو على الأقل عام واحد) أن ينجز مهمة أو يحقق وعداً من تلك الوعود التي بذلها خلال حملاته الانتخابية، سواء قبل ولايته الأولى أم في «معركة» التجديد التي خاضها ضد الجمهوري ميت رومني، وكاد يخسرها، وخصوصاً على الصعيد الدولي بعد أن باتت جائزة نوبل للسلام، التي أُعطيت له «عربون» أمل ورجاء بأن تطابق أفعاله أقواله، لكن أول رجل أسود يسكن البيت الأبيض خيب آمال الجميع بمن فيهم السود أنفسهم الذين عبروا عن غضبهم الشديد وندمهم لأنهم صوتوا له، وما أحداث مدينة فيرغسون والمظاهرات العارمة التي عمت المدن الأميركية سوى الدليل الأبرز والدامغ على فشل أوباما، وإن حاول إلقاء المسؤولية على «الثقافة العنصرية» المتجذرة في المجتمع الأميركي.
فهل يوقع أوباما «قانون» الكونغرس تسليح أوكرانيا بأسلحة فتاكة؟
صحيح أن روسيا ربطت بـ «ذكاء» خطواتها اللاحقة للرد على قانون «دعم الحرية في أوكرانيا» بتوقيع اوباما، ما يعني انها رمت الكرة في ملعبه وبالتالي حملته مسؤولية ما سيطرأ على علاقات البلدين من تدهور واحتمالات تسخين على أكثر من جبهة لاتزال مفتوحة يتصارع الطرفان فيها، دون أن يحرز أحد نصراً كاملاً، بل هي «لعبة» تجميع للنقاط، عل أحدهما أن يتراجع أو يغسل يديه سواء، في سوريا أم العراق أم أوكرانيا، دون إهمال «الصفعة» التي تلقتها إدارة أوباما من حليفها الاستراتيجي نتنياهو الذي كرر «لاءاته» إزاء قرار السلطة الفلسطينية الذهاب إلى مجلس الأمن -اليوم على ما قيل- للطلب من مجلس الأمن الموافقة على مشروع قرار ينص على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية خلال عامين (حتى تشرين الثاني 2016) وهي «صفعة» ستترك اثارها السلبية على الدور الاميركي في ما يوصف تزويراً «عملية السلام»، حيث سيسقط قناع «الوسيط» الذي تقنعت به الإدارات الأميركية المتعاقبة، وخاصة إذا ما استخدمت «الفيتو» لمنع تبني مشروع القرار العتيد.
أين من هنا؟
قد يوقع أوباما القرار حتى لا يصطدم بالكونغرس (الجمهوري بأغلبيته) الذي مرر له مشروع الموازنة بعد مواجهات ساخنة، كان بينها الأقسى في التاريخ الأميركي وهو «إغلاق الحكومة» وكانت خشية الإغلاق قائمة قبل تمرير الموازنة منذ أيام، لكنه «أوباما» ربما يضع جدولاً زمنياً طويل الأمد لبدء تزويد كييف بالأسلحة الفتاكة، خصوصاً أنه كان الأشد رفضاً لقرار كهذا حتى أسابيع مضت، إلا أنه الآن لا يملك خيارات كثيرة حتى لو كان في قرارة نفسه يعتبر أن الجمهوريين يريدون توريطه «عسكرياً» في أوكرانيا، لتصفية حساباتهم المفتوحة معه أولاً، ولقطع الطريق على رئيس ديمقراطي جديد يخلفه في البيت الأبيض.
روسيا، هي الأخرى، لا تملك الكثير من الخيارات بعد أن أصابتها العقوبات الاقتصادية في الصميم، وبعدما لم «تنفع» كل محاولاتها طمأنة الغرب بأنها لا تريد تقسيم أوكرانيا بل إن لافروف قال يوم أمس: إن موسكو تريد أن تبقى «دونياس» في إطار أوكرانيا.. احتمالات التصعيد واردة والحرب الباردة لم تعد مجرد احتمال فهي وقعت فعلاً، لكن الخشية الآن هي دخول الجميع في أجواء حرب ساخنة بدأتها واشنطن بهمروجة الأسلحة «الفتاكة»، ولا تجد موسكو نفسها في حل من مواجهة ضربات تحت الحزام كهذه.
... فهل بدأ حفر الخنادق؟ خصوصاً أن مفاجآتٍ قد تكون.. قادمة!.
- عن جريدة «الرأي» الأردنية