يصف خبراء العلوم الإنسانية «الفشل» بأنه خبرة إنسانية بحتة؛ إذ لولا الفشل لما عرف الإنسان ما هو الصحيح في تلك المواقف التي مر بها، والأهم في المسألة يتمثل في «تقبل الفشل»، إذ هو يعتبر بداية التصحيح له.
تقبل الفشل يعني البحث عن ماذا أخطأنا به، وما الذي يجب فعله، وما الذي يجب تجنبه.
كبشر سواء في حياتنا وعلاقاتنا وحتى حياتنا المهنية، هل نطبق هذه المعادلة؟!
كل إنسان يمر بخبرات وظروف، كل إنسان له صعود وهبوط، له نجاحات وله فشل قد يتكرر. النسبة الصحيحة التي يجب أن تكون طاغية هي تلك التي تسير بمؤشراتها باتجاه النجاح، فالفشل وتكراره يعني أن هناك شيئاً خاطئاً فيمن يقع في الأخطاء ولا يصححها.
التجربة أمر محمود ومفيد، لكن كثرة القيام بنفس الخطوة وبنفس الآلية وانتظار نتائج مختلفة هو ما وصفه ألبرت أينشتاين بالغباء وعدم الحصافة.
لكن المحاولة للنجاح في أمور تداعياتها لا تسبب ضرراً للعامة أمر لا ضير منه، طالما صاحبه يريد أن ينتج شيئاً مفيداً للبشرية نفسها، فتوماس أديسون الذي يدين له العالم بأنه اكتشف المصباح الكهربائي، وصل إلى اختراعه الباهر بعد 1800 محاولة فاشلة، وحينما سئل هل هذه المحاولات أحبطته وكادت أن توقف سعيه لاختراع المصباح الكهربائي، أجاب بل على العكس تعلمت من ورائها أن هناك 1800 طريقة لا يمكنك من خلالها صناعة الضوء الكهربائي.
أنت كيف ترى الأمور؟! يمكنك أن تعيش في الإحباط والماضي وتوسم نفسك بالفشل ولا تغيره، لكن يمكنك أن تحول الفشل إلى نقطة انطلاق لنجاحات مبنية على تصحيح السلبيات والأخطاء التي ارتكبتها وتسبب هي بوقوعك بالفشل.
هذا على الصعيد الشخصي، وعلى صعيد بناء الذات وتحقيق النجاحات في حياتك. لكن على الصعيد العام، وفي شأن النهوض بالمجتمعات تكرار الفشل كارثة حقيقية، تكراره في نفس القطاع ولمرات عدة يشير لوجود خلل في الأدوات المنفذة، وهنا نعني البشر الذين يقعون في ممارسة نفس الأخطاء ويقومون بنفس آليات العمل، بالتالي يتكرر الفشل لديهم ويكون هو السمة الغالبة، فلا يستطيعون تغييره. وتكون المصيبة أكبر حينما يقبل بهذا الوضع من بيدهم القرار لتغيير هذه الأدوات والإتيان بأدوات غيرها قادرة على الاستفادة من الفشل.
مشكلتنا في البلدان والعربية والبحرين ليست بمنأى، أن لدينا أدوات (أشخاص) يوضعون في مواقع ذات مسؤولية، يترقب منهم التغيير والتطوير لكنهم بدلاً من ذلك يفشلون، بل بعضهم يغرق في مزيد من الفشل وتكراره، لكن مع ذلك الواقع لا يتغير، ليس لأن الشعارات المرفوعة غير معنية بالتطوير ومحاربة الأخطاء وإبدالها بإيجابيات، بل لأنها مجرد شعارات، والتطبيق يقوم به أشخاص للأسف يرون في أنفسهم وقراراتهم «العصمة»، وأنها هي التي يجب أن تسود وما سواها خطأ وآلية فاشلة، أي أن المعادلة هنا «إما طريقتي أو فلا»، والنتيجة تكرار الفشل، والانتقال من فشل إلى فشل أكبر، إلى أن نصل لمستنقع موحل من الفشل معه تغيير الأدوات لا ينفع، بل حتى لو جيء بطاقات ومؤهلين وقدرات بعدها فإن احتمالية الغرق في الوحل المنتشر أكبر من احتمالية إزالته والقضاء عليه، حينها يكون الحال كمن يأتي بجراح عبقري في أعصاب المخ لعلاج خلايا دماغية أصبح صاحبها ذا جسد متخشب في غيبوبة دائمة بسبب أن من مارس الجراحة عليه ليس متخصصاً فيها أو ليس ضليعاً بها.
هناك مقولة باتت تشتهر وتوصف بها المجتمعات العربية للأسف، مفادها بأننا مجتمعات ليس في قاموسنا كلمة «فشل»، لا لأننا نبدلها بالنجاحات، بل لأننا لا نعترف بوجودها ولا الوقوع فيها.
نكرر ما قلناه مراراً، بأن أولى مراحل القضاء على الفشل تتمثل بالاعتراف بوجوده، تتمثل بوضع اليد على مكامنه، تتمثل بوضع القادرين على تحويل الفشل إلى نجاح.
لكن في زمن يصبح فيه المسؤول والمتسبب عن الفشل المتكرر «معصوماً»، فأبشروا بمزيد منه. هذه معادلة ثابتة من ينكرها ليس سوى أحد أعضاء نادي «المعصومين» الذين لا يبرعون إلا في صناعة الفشل، والحفاظ على «فخر» هذه الصناعة.