ليس بيننا من لا يتألم عند سماعه خبر إيداع شاب لا يزال في أول الطريق السجن ليقضي فترة من عمره مسلوب الإرادة. الجميع يتألم لسماعه مثل هذه الأخبار ويأسف على حال مثل هذا الشاب الذي لم ينل ما نال إلا بسبب تورطه في أخطاء يحاسب عليها القانون.
كلنا نتألم من هكذا أخبار، لكن ألمنا يصير أكبر عندما نعلم أن هذا الشاب لم يكن إلا ضحية تفكير ضيق سيطر على عقول البعض، فوجد فيه وفي أمثاله فرصة لتنفيذ الأهداف التي تم وضعها واستخدموا كأدوات ليس مهماً أن تكسرت أو فقدت، حيث الرصيد يسمح بالاستبدال دائماً.
المؤسف في الأمر أيضاً أن أولياء أمور أولئك الضحايا يظلون منزوين حتى تقع الفأس في الرأس فيصرخوا ويلقوا باللوم على الجميع من دون استثناء، متجاوزين حالة السلبية التي كانوا فيها والتي سيطرت عليهم إلى الحد الذي كانوا يرون فيه أبناءهم وهم يساقون إلى مصير يعلمونه فيغضون أبصارهم وكأنهم لا يرون ما يحدث أمامهم وما يدور.
أمر آخر مؤسف أيضاً، هو أن هؤلاء -أولياء الأمور- لا ينتبهون إلى أن من يتورطون في أعمال العنف والتخريب وينالون العقوبات ويسجنون ويخسرون شبابهم ومستقبلهم لا يكون بينهم أبداً أحد من أبناء «القياديين» أو من يعتبر نفسه في مقامهم، فلم نسمع قط أن نال أحد من أولئك ما يناله هؤلاء، وهو ما يستوجب تنبيه أولياء أمور هؤلاء إلى ما يحدث أمامهم ولا ينتبهون له، فأبناؤهم هم فقط من يقع عليهم هذا الذي يبعث الألم في نفوس الجميع.
من اختاروا البقاء في الخارج أبناؤهم يصبحون ويمسون آمنين ولا يخافون عليهم لأنهم بعيدون عن المكان الذي يحرضون الناس فيه على الأفعال التي تؤدي إلى أن يصيروا فيه ضحايا، ومن لا يزال في الداخل يمنعون أبناءهم من الخروج من بيوتهم إلا في الأوقات التي يكونون فيها متأكدين أن شرا لن يطالهم وأنهم في أمان بنسبة مائة في المائة.
كل الذين خرجوا في المظاهرات قليلة العدد في الأيام الأخيرة كانوا من الصغار، وكلهم كانوا من أبناء أولئك الذين لا يزالون يعيشون حالة السلبية ولا ينتبهون إلى أن «القياديين» يمنعون أبناءهم من المشاركة في مثل تلك المظاهرات وغيرها من الفعاليات «السلمية»، وكلهم -أولياء الأمور- سيأسفون ذات يوم على سلبيتهم عندما يرون أبناءهم يقضون جزءا من حياتهم في السجن، بينما يقضي «أبناء القياديين» حياتهم في المدرسة والجامعة ويتقلبون في الوظائف التي يشتهون ويشتهيها آباؤهم.
ما يزيد من الألم كذلك هو أن هذا الشباب يخسر حياته ومستقبله نتيجة ممارسته أفعالاً لا تعود عليه بالفائدة ولا تفيد حتى محرضيه ومن رفع رايتهم وهتف باسمهم، فأي مكسب يأتي من حرق إطارات السيارات أو وضع الحجارة في طريق سيارات الأمن أو غير هذه من ممارسات لا قيمة لها ولا ينتج عنها إلا أذى الأبرياء وتعطيل الحياة؟ وهل مثل هذه الممارسات تستحق أن يفقد الشاب مستقبله أو يقضي جزءاً من عمره في السجن ويعيش أهله سجناً من نوع آخر خارجه؟
ما يفعله المحرضون هو أنهم يزينون للشباب الأحكام بالسجن ويجعلونهم يتمنونها باعتبارها شرفاً وبطولة وتميزاً ودليلاً على الإخلاص والعطاء وشهادة تفيد بأن صاحبها «مناضل»، وأنه لولا أنه كذلك لما حكم عليه بالسجن، والدليل هو أنه عندما يطلق سراح أحدهم تعمل له «زفة» ويرفع على الأكتاف ويستقبل المهنئين في مجلسهم أو المأتم أو المسجد، ويسير في القرية مزهواً بنفسه فرحاً بإسباغ صفة «بطل» عليه، وبالتأكيد كلما كانت الفترة التي قضاها في السجن أطول حصل على شهادة أكبر.