البحرين قادرة على أن تسير بخطين سياحيين متوازيين معاً دون الإخلال بأي منهما أو طغيان أحدهما على الآخر، الأول السياحة التجارية الترفيهية (رياضية أو فنية أو تجارية) والثاني السياحة النوعية الثقافية التي تعتمد على الآثار والقلاع والمتاحف والمدن القديمة وحتى العروض الفنية الدولية، لتكون سياحة تستطيع أن تكون المورد الثاني للدخل في البحرين بعد النفط.
وقد قمنا بنشاطين ترفيهيين كانا جس نبض لمعرفة حجم استعداداتنا ومدى تأهلنا للقيام بأنشطة ترفيهية في الهواء الطلق أحدهما كان نشاطاً رياضياً (ترايثلون)، والآخر ترفيهياً فنياً تمثل في حفلات العيد الوطني، النشاطان قيل إنهما محاولة لاستقطاب زائرين ومتابعين.. لا بأس.. ليكن.. لا مانع من أن تصرف الدولة على نشاط و تعرف أن له مردوداً يفوق ما صرفته عليه، فمن المعروف أن القيام بأنشطة مدفوعة الثمن لاستقطاب الزوار هو أحد الوسائل -التي من المفروض- أن تعود على الاقتصاد بأضعاف ما دفعته الدولة من أثمان للقيام بالنشاط المذكور.
كل ما نحتاجه هو أولاً قياس مردودهما بشكل موضوعي وحيادي، بل نحتاج إلى قياس مردود كل الأنشطة التي تدعي أنها تضيف للاقتصاد زخماً مقابل ما تصرفه الدولة عليها، كالفورمولا وغيرها، كل ما نحتاجه هو تحديد رؤية مستقبلية لهذه الأنشطة فلا نضخم من تلك المردودات إرضاء لهذا الشخص أو ذاك، ولا نقلل أيضاً ونهضم حق أي نشاط، فلا نزيد من حجم الفوائد حتى نثبت بالقوة نجاحه، ولا نهضم حق أي نشاط لأن فلاناً لا يعجبنا أو علاناً لا نحبه فنفشل النشاط المشرف عليه.
ونحتاج ثانياً أن نكون مستعدين استعداداً أمنياً واستعداداً لوجستيـــاً لتلبيـــة احتياجـــات الذين ستستقطبهم هذه الفعاليات، ونكون بالمقابل أيضاً مستعدين لعدم تعطيل حياة الناس ومصالحهم، وقد ثبت من خلال تجربتي النشاطين (الرياضي والترفيهـــي) أننا على الأقل على مستوى تسيير حركــة المرور غير مؤهلين ولا مستعدين، لا تقليلاً من حجم الجهد المبذول من إدارة المرور، ولا تقليلاً من فائدة النشاطين ولكن العملية تحتاج إلى أكثر من تواجد لرجال المرور في الشارع، تحتاج إلى استعداد كل أجهزة الدولة وتناغمها مع بعضها وفي هذه نحتاج إلى أن تتحدث البحرين كلها لغة سياحية واحدة أثناء الحدث، لغة تتحدث بها إدارة المرور والمجمعات التجارية ووسائل المواصلات وجيش من المتطوعين والبلديات والمواصلات ووسائل الإعلام، نحتاج إلى خطط طوارئ للمستشفيات والمطار والدفاع المدني والإسعاف وإلى خلق البدائل المرورية من طرق دائرية وفتح مسارات ونحتاج إلى تعاون الجميع.
عدم استعدادنا أو فشلنا في التعاطي مع ضغط الحضور وكثرتهم أو بعض التصرفات الفوضوية التي قام بها بعض الشباب أثناء احتفالات العيد الوطني لا يعني فشل البحرين في تبني السياحة الترفيهية رياضية كانت أو فنية، إذ ثبت أنه بإمكان الواحدة من الفعاليات الترفيهية العائلية كحفلة حسين الجسمي أو بلقيس استقطاب جماهير تقدر بعشرات الآلاف ولــو جهدت البحرين بالترويج لهـــا خليجياً وعربياً لأمكنها استقطاب عشرات الآلاف من الخارج وأمكنها أن تكون مورداً اقتصادياً يوزع على مدار السنة ومثلها إحياء الأسواق الشعبية كسوق البسطة علـــى أن تكــون موزعة على المحافظــات وسياحـة المنتزهات النوعية، لو صرفت البحرين عليهــا عشرة ملايين دينار سنوياً وأحسن الترويج لها لأمكنها أن تعيد للخزنة أكثر من مائة مليون بدل العشرة التي صرفتها، فقط لو أحسنا تحريكها، ستملأ الفنادق وتحرك السوق والمطاعم والمواصلات وستخلق فرص عمل حقيقية، فلا نتباكى بعدها على «مواخير» يستفيد منها عدة أفراد ندعي أنها كانت مورداً اقتصادياً خسرته الدولة! بئس السياحة التي تتأثر من هذه «الخسارة»!!