يمكن الإجابة بسهولة عن السؤال أعلاه بالقول: إننا «مجتمع لا يفكر بالحلول لمشاكله، بقدر ما يفكر في تضخيم المشكلة»!
لكن للجزم بهذه الإجابة علينا رفدها وتعزيزها بشواهد، تجعل الإجابة قائمة على أسس علمية وأدلة يمكن قياسها، لا مجرد إجابة قد يكون مسوغها رد فعل إنفعالي.
الشواهد موجودة وبكثرة، وهي ممثلة بالمشاهدات اليومية لقضايا باتت سمة بارزة متأصلة في المجتمع، وهنا نتحدث عن مشاكل يتعايش معها الناس لسنوات، هي بحد ذاتها -المشاكل أعني- يفترض أن تمثل حالات وجدت لها حلولاً على طول هذه الفترات الزمنية، لكن الشاهد هنا بأن هذه المشاكل مستمرة، ما يعني أننا كدولة عبر منظوماتها المعنية فشلت في وضع حلول لها، ولربما لم تفكر أصلاً في إيجاد حلول.
مثال للمشاكل التي كبر معها كثيرون من المواطنين، وللأسف هي مازالت قائمة، مثل مشكلة الإسكان، مشكلة قوائم الانتظار المعنية به، مشكلة عدم تفعيل التوجيهات بشأن فصل الراتبين، مشاكل أخرى متعلقة برفع مستوى الدخول، بدمج مزايا التقاعد لموظفي القطاعين العام والخاص، مشكلة الفساد، مشكلة زحمة السيارات، إلى غيرها من مشاكل كثير منها موجود على امتداد أجيال دون الوصول لحلول حاسمة لها.
هل نحن مجتمع نفكر بالحلول، أم أننا مجتمع بات ماهراً في تضخيم المشاكل وفي تعقيدها وفي النواح واللطم عليها؟!
لربما المواطن العادي لا يمتلك بيده التغيير المباشر، وكل ما يملكه أمام ما يعتبره «إحباطات» هو التعبير عنها، وطبعاً التعبير سيكون سلبياً هنا، لكن يمكنه عبر قنوات «التنفيس» المتاحة والتي هي اليوم تأخذ من وسائل التواصل الاجتماعي ساحة رحبة لها أن يعبر عن رأيه وأن يطرح الحلول أيضاً. لكن تظل المشكلة كامنة في هل تجد هذه المقترحات والحلول طريقاً لها للتنفيذ عبر وصولها «بلا تحريف» إلى المسؤولين المعنيين؟!
في علم الإدارة «عُرف» شهير يقول بأنه لحل أي مشكلة، عليك أن تفكر في الحلول وألا تفكر في تداعيات المشكلة، وألا تحولها إلى مشكلة معقدة. وللأسف هذا ما يحصل لدينا، وأعني به الجزء الأخير، إذ كثير من المشكلات سواء في القطاعات العامة أو حتى في البيت ومجتمع الأسرة الواحدة يمكن أن تحل لو كان التركيز على حل المشكلة بدلاً من تصعيدها.
هل لدينا رصد لقائمة المشاكل التي تعاني منها البلاد والتي يعاني منها الناس؟! إجابة السؤال تقول «نعم»، لكن الإجابة الأهم هي على السؤال الآخر الذي يقول: وهل لدينا قائمة بالحلول العملية التي طبقت من فورها لحل المشكلات؟! والمؤلم أن الإجابة هنا تتمثل بأنه ربما لدينا آراء وأفكار وأطروحات متناثرة، لكن نسبة التطبيق منها نسبة ضيئلة جداً، بل تكاد تكون مخجلة.
هذه النسبة الضئيلة من تطبيقات حلول المشاكل لا تعني إلا أموراً محددة، إما أنها مرتبطة بقلة موارد وشح في الطاقات البشرية، أو أنها مرتبطة بصدق «نوايا» في وضع الحلول المقترحة في وضع التطبيق العملي.
هنا ننبه لمسألة هامة باتت سمة عامة متأصلة في كثير من تصريحات المسؤولين بالدولة؛ إذ حين تصل لهم مشكلة مجتمعية معينة يطالب الناس بحلها ووضع نهاية لها، تكون التصريحات مبنية على ردود الفعل القائمة على رغبة تخفيف حدة النقد و»تخدير» الرأي العام، وهذا أمر واقع؛ إذ استمرار المشكلة رغم وجود تصريحات ووعود وشعارات معنية بحلها لا يفسر إلا على انعدام الجدية في حل المشكلة والاكتفاء بالكلام عنها، وهذا ما يجعل المشكلة مستمرة حتى لو خفت وطأة الاستياء إزاءها. هذه مناورة وقتية مثل المخدر الموضعي، إذ ربما تنسى الألم لكنه سيعاود الظهور.
خلاصة القول بأن الرغبة في إيجاد الحلول للمشاكل ليست كافية، طالما أن الحل لا يوضع موضع التطبيق.
قد يكون الكلام أعلاه يوجه نقداً ولوماً للممارسات الرسمية ببعض قطاعات الدولة، لكن حتى على الصعيد الشخصي الذي يكون في مجمله حراك المجتمعات، علينا التساؤل والإجابة بكل مصداقية، هل نحن مجتمع يبحث عن الحلول، أم مجتمع بات ديدنه فقط الإمساك بالمشكلات وممارسة «الردح» الكلامي بشأنها؟!