إن ظهور أي بصيـــص نــــور لمسيـــر الحرية والديمقراطية في الوطن العربي ستقمعه الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، هذه ليست نكتة، بل حقيقة واقعة، فهم يكرهون أن نكون «بألف خير»، لأن من قوام وسياسية تلك الدول المتغطرسة هو حبها لنفسها فقط، أما بقية شعوب العالم فإلى الجحيم.
إن أي محاولة لتجربة الديمقراطية في الوطن العربي ستكون محل انتقاد ومحاربة من طرف الغرب، كما هو الحاصل بالنسبة إلى التعليم وكذلك تطوير التنمية. إن السياسة التي تتبعها الدول الغربية تجاهنا هي سياسة التجهيل والتجويع، لنظل بقية أعمارنا في مؤخرة الركب العالمي، وحتى نبقى فيما تبقى من حياتنا نستجديهم ونطلب قوتنا ولباسنا منهم، ولربما نحن وعبر ثقافتنا الضعيفة ومقومات موروثاتنا المتهلهلة، ساعدناهم على ما كانوا يرنون إليه منذ فجر الاستعمار حتى يومنا هذا.
خرجت الشعوب العربية لطلب تعزيز الديمقراطية أم لم تخرج، فإنها لن تستحق أن تنال حقوقها في نظر الغرب الأناني.
وسواء كانت هناك محاولات للحصول على الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع أو لم تكن، فإن محاولة تعزيز وتكريس الدكتاتوريات هي سمة بارزة من سمات السياسة الغربية حيال العالم الثالث، ومن هنا تطل علينا دولهم بين الفينة والفينة ليأخذوا دور المنقذ والمطالب بالحريات لشعوب عربية، هي تكرهها في الأساس!
إن الغرب يريد أن يكون له النفط والذهب والعلم والتطور والاستيلاء على مقدرات الشعوب وخيرات الدول الأخرى الغنية.
ولهذا فإن الغرب يستخدم معنا سياسة العصا والجزرة، إذ يقوم بتجهيلنا وقمعنا، ومن ثم يأتي في ثوب المخلّص والمنوّر، وكما قلنا سابقاً، فهو استطاع أن ينجح في مشروعه التآمري، لأن العرب ساعدوه على ذلك، حيث لم يكونوا يملكون قاعدة قوية من الوعي والعلم، بل كان كل اعتمادهم على موروثات متخلفة ليس لها علاقة بالحضارة الإنسانية، ولربما ساهمت بعض الأنظمة في تعزيز وتكريس السياسة الغربية التي تعني بتجهيلنا وتخلفنا.
من يقول غير هذا فهو لا يقرأ ما بين السطور، ولا يعرف كيف يفكر الغرب وما هي أهدافه وما مدى تطلعاته، فالغرب يريد أن يكون الإنسان الغربي هو الرقم الأصعب في خياره نحو النهوض، أمَّا أن يتقدم المواطن العربي في أي من المجالات، فهذا لن يروق للدول الغربية، إلا إذا عاش فيها بهويتها، أو تحول إلى مواطن لديها، وما دون ذلك، فإن الإنسان العربي سيظل مكروهاً عند الغربيين، وسيكون أفضل ما يميزه في نظرهم هو جهله وغيبوبته الدائمان.
من يشير إلى تطور الغرب دون سواه، ذلك لأنه عمل على ترسيخ مفاهيم العبودية والطاعة له، أمَّا الدول التي تحررت من هيمنته وسطوته فهي الدول التي امتلكت إرادات حديدية، استطاعت أن تقف في وجهه عبر تعزيز مفاهيم الديمقراطية والتنمية المستدامة وتقدير المواطنة والعدالة والمساواة ورفض إملاءاته السياسية عليها، تماماً مثلما فعلت الهند والصين وكوريا وماليزيا ودول نمور آسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية.
هذه النماذج الصحية، هي التي يجب أن يأخذها العرب كقيمة مضافة لوعيٍ ربما افتقدوهُ لقرون من الزمان، وأن يتخلصوا من عقدة الأجنبي صاحب السياسة التوسعية والعقلية التي تعج بكراهيتنا.
نعم الغرب نجح في كل مناحي الحياة، ولربما أعطى كل خيرات الشعوب الأخرى لشعوبه فقط، عبر قسمة ضيزى.
ومن المؤكد أنه صعد لمصاف الدول المتقدمة عبر العلم والمعرفة، لكن كل هذا كان على حسابنا والصعود كان على أكتافنا.
نحن نحب الشعوب الغربية ونكن لها كل الاحترام، ونقدر لها جهودها الجميلة في حماية الحياة ونشر العلم والتقدم في كل الأرض، لكننا نكره ساستهم الأنانيين الذين لا هم لهم سوى أن يروا العرب آخر الركب، فهناك فرق كبير بين المواطن الغربي والسياسي الغربي، كما هو الفرق بين المشرق والمغرب.