«البحرينوية» دعوة تفاكر لقراءة المنجز الثقافي البحريني وفق معطيات «الوحدة في التنوع» التي يزخر بها المجتمع البحريني، دونما عصبيات أو اصطفاف لجهة، أو انتماء لفكرة، إنما ضمن رؤية واسعة تضيق معها العبارة في «بحرينوية»، كما يذهب محمد بن عبدالجبار النفري «كلما اتسعت الرؤية، ضاقت العبارة»، وهي هنا مفهوم ثقافي - فكري، ينحو لتقريب وجهات نظر باعدها خلاف سياسي، عقب ما شهدته البحرين من أحداث خلال عام 2011، لا تشبه طبيعة البحريني وتركيبته، ناتجة عن المؤثر الإقليمي وتداعياته.وتُعد إشكالات الهوية إحدى أهم مسارات التشكل نحو الاستفادة من التنوعات الثقافية والإثنية والمذهبية داخل المجتمعات لطريق أكثر اتساعاً يُفضي إلى «وحدة متنوعة» - «الوحدة في التنوع»، فالوحدة الوطنية للعديد من المجتمعات تقف على حافة انهيار خاصة بعد ثورات ما يعرف بـ «الربيع العربي» التي شهدتها العديد من الدول العربية وهي في طريقها نحو الانفكاك من براثن قبضة «السياسي» المركزية التي راحت ضحيتها منهجية التفكير «الخلاّق» لوحدة ثقافية - فكرية، أكثر اتساعاً تأخذ في إعتبارها إعادة إنتاج فسيفساء الثقافة كمعطى إيجابي في لوحة الوطن الواحدة.مفهوم «البحرينوية»، استدعيناه من مصطلح «السودانوية» الذي ارتبط بالمرحوم عميد كلية الفنون الجميلة والتطبيقية أحمد الطيب زين العابدين، واشتهر المصطلح من خلال عموده الأسبوعي في صحيفة «السودان الحديث» بين عامي 1994-1995 تحت عنوان «منظور سودانوي»، وهو كما يقول الباحث عبدالمنعم عجب الفيا «أي مشروع نظري أو إبداعي يجعل للسودان قيمة استثنائية بحيث تبرز كقيمة قادرة على تفسير ذاتها بذاتها، وذلك قياساً على «إنسانوية» التي يقصد بها الدراسات التي تجعل للإنسان قيمة أساسية في أي مشروع منهجي».هذا الاستدعاء لهذا الاشتقاق اللغوي محاولة من أجل إعادة قراءة مكونات وملامح الإنسان البحريني بكل أبعاده الثقافية والاجتماعية المميزة، وفق رؤية ثقافية، فالثقافة هي منظومة سلوكية متكاملة تندرج تحتها ممارسات اجتماعية تحكمها قيم وعادات وتقاليد، وأساليب إنتاج ونحت ورسم وأعمال يدوية، وثقافة شفاهية، وتجارة ومعاملات، وغيرها.وهو مشروع نظري، يسعى لإيجاد ناظم لهوية المجتمع البحريني العربي - الإسلامي، بسماته العامة المتعلقة بالتشابك الاجتماعي والتسامح بين مكوناته، التي تمازجت بمرور الزمن رغم الاختلافات، بعيداً عن الاصطفافات الطائفية أو الإثنية، من أجل إعادة بناء الثقة، وإبعاد شبح تشظي هذه السمات الاجتماعية المتينة.ويُشكّل «ميثاق العمل الوطني» أهم منجز «بحرينوي»، قدم دلالة واضحة المعالم على تمسك الشعب البحريني بـ»الوحدة في التنوع»، إذ وافق عليه بنسبة 98.4%، وسبقه قبل 31 عاماً إجماع في استفتاء عام أُجري في 1970، على استقلال البلاد وعلى قيادة سياسية مُنحت الشرعية، وعلى الرغم من ذلك فالخوف كل الخوف من أن يأخذ الإشكال السياسي منحى متطوراً في الاتجاه السالب يقود لـ»صناعة الكراهية»، وتشويه الصورة الإيجابية للبحريني إقليمياً، وهو أمر يُحتم على النخب البحرينية وقادة الرأي الانتباه له.أرضية «الميثاق» و»استفتاء الاستقلال»، مع غياب الإشكالات اللغوية التي يمكن أن تشكل حاجزاً أمام بناء الهوية، وعدم وجود انشقاقات اجتماعية حادة مذهبياً أو عنصرياً، فإن الساحة مهيئة لتأسيس قيمة نوعية للإنسان البحريني قادرة على مواجهة التحديات، وتمتين اللحمة الوطنية، وتعزيز التماسك المجتمعي، في وجه محاولات التجزئة الإقليمية.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90