كنت أحسب نفسي بعد سنوات طويلة من البحث والقراءة ومتابعة الأحداث، أن لي علاقة بالمثقفين، كما كنت أزعم أني على اطلاع بما يشغل الناس ويكون محط اهتمامهم، لكن للأسف اكشفت مؤخراً أن ذلك كان مقلباً وفشلت في أول اختبار عندما لم أتمكن من التعرف على صافيناز، ولم يتشنف سمعي بأغنية «انتي باغية» لشاب يدعى سعد لمجرد، بالإضافة إلى ظني أن عبارة «حلاوة الروح» هي مصطلح يطلقه الإخوة المصريون ويقتصر على التصرفات التي تصدر عن الإنسان قبيل خروج روحه، ولم أكن أعرف أنه أحد أفلام الموقرة هيفاء وهبي.
اليوم هو الأخير في سنة 2014، وهناك مليارات الكلمات وضعت هذه السنة في محرك البحث غوغل، إلا أن عدداً قليلاً منها فقط تصدر قائمة الأكثر بحثاً، ليتعرف المختصون من خلالها على ما شغل الناس خلال سنة كاملة، لاشك في أن سنة 2014 كانت عصيبة على العالم وخصوصاً الجانب العربي منه، الذي شهد بروز تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وسيطرته على المشهد، وما رافق ذلك من انتشار الميليشيات التابعة لإيران وما حصل من قتل وتهجير وتشكيل تحالف دولي كبير ليخوض حرباً عالمية في العراق وسوريا، وأقسى ما سجل في هذه السنة ضحايا التهجير الذي بلغ في العراق وحده أكثر من 4.5 مليون نازح ومهجر في الداخل والخارج، وفي سوريا رقم مقارب، وحتى على مستوى العالم حطم عدد اللاجئين الرقم القياسي الذي سجلته الحرب العالمية الثانية بحسب ما أعلنته منظمة الهجرة الدولية بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين في 18 ديسمبر، معتبرة أن هذا العام هو الأكثر دموية مقارنة بالعام الماضي، فقد نزح 33.3 مليون إنسان داخل دولهم على مستوى العالم، و16.7 إنسان نزحوا للخارج، أما المهاجرون بشكل قانوني بين الدول فسجلت المنظمة 232 مليون إنسان بين مختلف دول العالم، ولا ننسى حرب الكيان الصهيوني على غزة وما خلفته من مآس ودمار.
كل هذه القضايا التي تلامس حياة الناس وواقعهم يجب أن تكون مدار بحث العرب على شبكة الإنترنت، إلا أنها للأسف لم تتصدر قائمة البحث ولم تكن من ضمنها أصلاً، وكانت الصدارة في العالم العربي للبحث عن الراقصة صافيناز، بالتأكيد لم يكن البحث عن سيرتها وإنجازاتها إنما كان البحث عن مقاطع «الهز» وكأن العرب لم يتأثروا بالهزات التي تعرضوا لها في هذا العام فذهبوا للبحث عن «هز» إضافي، كما إنهم بحثوا كثيراً عن أغنية تقول: «انتي باغية واحد يكون دمه بارد» للمغني الغيور الحامي سعد لمجرد الذي لم يرض أن يكون صاحب دم بارد، بالإضافة إلى البحث عن فيلم هيفاء وهبي «حلاوة روح» ربما لأن العرب تزهق أرواحهم يومياً!
إذا كان العرب لا تشغلهم قضاياهم ولا يبحثون عنها، فحق للعالم أن يفعل بهم ما يشاء.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}