سأعرج قليلاً على ردود الفعل «الدولية» على موضوع تحقيق النيابة مع علي سلمان، إنها ردود فعل لا أجد وصفاً أدق إلى تحديد طبيعتها غير أنها ردود فعل هزيلة تعكس صورة من صور الهزيمة النكراء والفشل الذريع الذي حصدته جمعية الوفاق السياسية نتيجة الغباء المدقع في قيادتها ولله الحمد والمنة، إنها نموذج يدرس لتجربة فاشلة تعلم الأجيال القادمة كيفية تضييع الفرص الواحدة تلو الأخرى وغياب البوصلة وافتقاد المهارات القيادية والحس السياسي والقراءة الموضوعية التي تحتاجها أي قيادة سياسية.
فمن بعد أن وقف أوباما في الأمم المتحدة في مايو من 2011 ليقول لملك وشعب البحرين عليكم الآن أن تجلسوا مع «الوفاق» ويذكرها بالاسم وهو الرئيس الذي لا يعرف من هي ولا أين تقع البحرين لولا أسطولهم، من بعد هذه الدرجة من الأهمية والمكانة التي لم تحظ بها أي «مجموعة سياسية» في المنطقة في دول الخليج العربي، تكتفي الولايات المتحدة الأمريكية اليوم برد فعل باهت بارد على توقيف علي سلمان والتحقيق معه وهو الأمين العام للوفاق تلك التي حظيت بشرف ذكر اسمها من قبل رئيس أكبر دولة!!
أما رد فعل أمريكا فجاء نتاج أسئلة مرسومة ومعدة سلفاً ومتفق عليها تطرح على المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية تحاول أن تعصر ما استطاعت من إدانة للبحرين فلا تجد، تحاول أن تلقى اهتماماً «بشيء» لا يعرفه أحد في العالم فلا يجد «المتحدث» باسم الخارجية وليس المساعد ولا الوزير بعد كل المحاولات إلا أن يقول لمملكة البحرين «أوكي.. إن شئتم أن تحققوا معه وتحاكموه فحققوا معه وحاكموه ولكن بشفافية» وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي!! إن مستوى الرد وطبيعته يعتبر كالمطرقة التي حطمت جدار برلين الذي تهاوى وانهار على رأس هذه الجمعية وما تمثله من مجموعات دينية لا تمثل الشعوب لكنها خانتها وتحالفت مع الخارج لتحكم الداخل، إن مستوى الرد وطبيعته حطم آمالاً وأحلاماً رهنت كل مشروعها وأجندتها على دعم أجنبي في الخارج فكانت هذه هي النتيجة.. الصراحة.. إذلال ما بعده إذلال.
لم يأت هذا التراجع من فراغ، بل أتى نتيجة الأخطاء المتراكمة التي ارتكبتها هذه القيادة على مدى أربع سنوات الواحدة تلو الأخرى لسنا بصدد تعدادها إنما نتائجها فقدان مكاسب كانت قد بنتها وأعدت لها لسنوات فاقت العشر قامت بها تلك المجموعة من اتصالات ولقاءات ومؤتمرات وأموال صرفت ورهانات كبيرة على نجاحها، لكن كلها ضاعت هباء منثوراً كالزبد بأخطاء لا تغتفر في عالم السياسية خسرت بسببها أصدقاء وحلفاء أجانب ووصلت إلى أن تستجدي الاهتمام بها استجداء مذلاً مخزياً تتصل ولا أحد يرد أو يستجيب لها، فسبحان الله أين كانت وأين أصبحت.
أما محليا فهي منذ البداية التي انفردت واستفردت، ومنذ البداية تصرفت على أنها هي شعب الله المختار لا ترى الآخر ولا تعترف به، حتى جاء الزمن الذي انفض عنها حتى من كان حولها وبعد أن كانت جمعية سجل أعضاؤها رقم 35 ألف مشارك، وصلت اليوم إلى مستوى من فقدان الشعبية حتى لم ينتخب مجلس إدارتها الأخير غير 1800 شخص، ويكفي أن تنظروا لصور أعمار وأعداد المحتجين في قرى البحرين لتعرفوا الحجم الطبيعي الذي آلت إليه هذه الجمعية، انفض عنها حتى الشيعة الذين ادعت دائماً أنها المتحدث الرسمي باسمهم، فما بالك بالسنة الذين يعتبرون هذه الجمعية خصماً وعدواً لهم ويحثون الدولة على تطبيق القانون عليها بغلقها ومحاسبة أعضائها.
الدولة لم تقم بهذه الخطوة نتيجة انشغال العالم بداعش فلا تضحكوا على أنفسكم أكثر من ذلك، بل قامت بهذه الخطوة لأن حجم الجمعية ظهر على حقيقته بعد أن «فشت» بالونة النفخ التي كانت تحيط بها، فقد انتهى زمنها الافتراضي، وأحدثت أخطاء قيادة هذه الجمعية ثقوباً فيها لا يمكن ترقيعها، الوفاق بأعضائها وأمينها لم تكن في يوم من الأيام سوى صرح من خيال فهوى.