كـــل ما فعلته الحكومة بتوقيف أمين عـــام الوفاق وعرضه على النيابة العامة هو أنها أعطت من استمرأ الخروج في مظاهرات يومية فرصة لتغيير بعض عناوينها والشعارات المرفوعة، وإلا فإنهم في كل الأحوال كانوا سيخرجون في مظاهراتهم وسيدخلون في مواجهات مع رجال الأمن وسيقولون ويغردون ويصرحون للفضائيات السوسة ليشعروا أنهم لايزالون بعيدين عن مرحلة رفع الراية البيضاء. الجديد هو أن هؤلاء بدل أن يرفعوا شعاراً معيناً ملوا منه توفرت لهم الفرصة ليرفعوا شعارات أخرى جديدة وأكثر حماسية. أي أنه لو لم تتخذ الدولة موقفاً من أمين عام الوفاق بسبب تجاوزات تم رصدها لخرج أولئك في مظاهرات رفعوا فيها شعارات أخرى، حيث المهم هو عدم التوقف وتوصيل رسالة إلى العالم ملخصها أنهم لايزالون في الساحة وأن نفسهم طويل.
وبسبب الخبرة التي تم اكتسابها في السنوات الأخيرة سعى هؤلاء إلى الاستفادة من «المتغير الجديد» فاستنطقوا كل من تمكنوا من استنطاقه وبكل اللغات، فلم يتركوا منظمة ولا فرداً إلا ونشروا تصريحاتهم وبياناتهم ليبينوا أنهم أقوياء وأن العالم كله معهم وأنه لا مفر للحكومة من إطلاق سراح الأمين العام لهذه الجمعية إن أرادت أن تبدو أنها تحرص على مصلحة الشعب.
وزير شؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة قلل من شأن رد الفعل وحصر الوفاقيين في زاوية فقال إن «استجواب أمين عام الوفاق لم يكن لأسباب سياسية وإنما قانونية حيث استدعي للتحقيق من قبل الجهة المعنية والتي أحالته إلى النيابة العامة وأن هذا إجراء طبيعي يتساوى فيه جميع المواطنين». أي أن كل ما قامت به الوفاق خلال اليومين الماضيين يدخل في باب المبالغات ومحاولة الاستفادة من متغير معين تمثل في توقيف واستجواب سلمان.
إذن نحن أمام موضوع عادي جداً، حاول البعض استغلاله لخلق بطل وكسب تعاطف محلي وخارجي، فليس أفضل من هكذا فرص لتحقيق هكذا أهداف، بل لعل البعض يجزم بأن الوفاق كانت تنتظر مثل هذه الفرصة وتترقبها، وها هي تحاول أن تستغلها بطريقة تعود عليها بالنفع. فأي فرصة أفضل من توقيف أمينها العام ورمزها؟ وأي فرصة أفضل لتستخرج ما تشاء من تصريحات من كل مكان تطالب بإطلاق سراحه؟ وأي فرصة أفضل لدول تحتضن الوفاق من هذه الفرصة ليقولوا بعض ما يحبون قوله عن البحرين؟
وبالتأكيد فإنه بسبب المبالغة في تصوير الأمر دخلت على الموضوع فضائيات أخرى غير تلك المعتمدة «الفضائيات السوسة»، لتزيد من مكاسب الوفاق وتسهم بطريقة أو بأخرى في الترويج لها وبيان وجهة نظرها و«مظلوميتها»، ذلك أن الوفاق ضخمت الموضوع ونفخت فيه وأبرزته وكأنه نهاية الدنيا، وأنه إن لم يتدارك العالم ويجبر السلطة في البحرين على وقف إجراءاتها وإطلاق سراح سلمان، فإن ارتباكاً في حياة العالم سيحدث وستتعطل مصالحه، وستضطر الدول الكبرى إلى مراجعة اتفاقاتها الأمنية مع دول المنطقة.
هذا النفخ في موضوع يمكن أن يحدث في أي بلد وفي كل حين، كشف عن توفر خبرة جديدة لدى الوفاق وعن رغبة أكيدة في الحرص على أن يبقى الوضع على ما هو عليه والاستمرار في جعله مشتعلاً، ذلك أن الهدوء يوفر للعالم الإحساس بأن المشكلة في البحرين انتهت وأن هذا البلد سيعاود نشاطه وسيكون له من جديد إسهامات في الحضارة الإنسانية.
توقيف أمين عام الوفاق والتحقيق معه في النيابة العامة فرصة متوقعة نزلت على الوفاق من السماء، وصار لابد من الاستفادة منها جيداً لتقوية الصفوف في الداخل وزيادة جرعة «الإعلام الثوري» في الخارج.
الوفاق تطالب ظاهراً بإطلاق سراح أمينها العام، لكنها في سرها تتمنى أن تطول فترة التوقيف!