قبل يومين أصدر ديوان الرقابة المالية والإدارية تقريره السنوي، وهو التقرير الحادي عشر منذ تأسيس الديوان. وتم تسليم نسخ من التقرير إلى قيادة البلاد.
الصور المنشورة مع خبر التسليم بالكاد تجعلنا نعرف بالضبط حجم التقرير. رغم أن التجربة على امتداد أحد عشر عاماً أثبتت أن حجم التقرير يزيد كل عام ولا ينقص.
في العام الماضي كانت هناك تحركات واضحة وملموسة من قبل الدولة بشأن التقرير. كانت هناك لجنة رفيعة المستوى بتوجيه من صاحب السمو الملكي ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء للتعامل مع بعض القضايا التي وثقها التقرير، وتمت إحالة عدد غير هين منها إلى القضاء، في خطوة لا يمكن أن نقلل من شأنها بل على العكس خطوة تعتبر بداية طيبة لتعامل حكومي مهتم بما يرد في التقرير، والتعامل مع المخالفات الجسيمة، التي تدخل تحت تصنيفات سواء الجنح أو الجرائم.
حصل كل ذلك من قبل الدولة والحكومة، في حين كان تعاطي النواب حينها -أي في الفصل التشريعي الثالث- خجولاً جداً، دون أن ينسوا الاستفادة من التقرير طبعاً وما صدر فيه على المستوى الإعلامي فقط، ولا ننسى المساجلات التي تمت بهدف إلقاء المسؤولية على ديوان الرقابة باعتبار أنه هو من يتوجب عليه إحالة القضايا للنيابة، دون الانتباه إلى أن دور المجلس التشريعي في الشأن الرقابي والمحاسبة والمساءلة وطرح الثقة أكبر، ففيه لا تتوقف العملية على إحالة القضايا للنيابة، بل تصل إلى حد طرح الثقة في الوزير الذي يرى الفساد الإداري والمالي دون أن يحرك ساكناً.
يوم الإثنين سيتم تسليم التقرير للسلطة التشريعية، وطبعاً من بعد ذلك ستضج الصحف المحلية بتغطيات موسعة وشبه مفصلة عن عديد من قطاعات الدولة بشأن ما تضمنه التقرير من رصد لتجاوزات إدارية ومالية.
طبعاً ما ستنشره الصحافة هو تسريب ممن يمتلكون النسخ المقصور تسليمها للنواب والوزراء ورؤساء الهيئات، وهو غيض من فيض يبتعد عن التفاصيل الدقيقة كلها، في حين يغفل كثير عن ذكر تعامل الوزارات مع المخالفات السابقة وما إذا تعاملت معها وأنهتها أم لا.
الفكرة فيما نقول هنا بأننا نشهد صدور التقرير الحادي عشر «كتبنا في هذا مراراً خلال الأشهر الماضية» في وقت مصير التقارير العشرة السابقة ليس واضحاً تماماً، وما نعنيه هو محاسبة المخطئين والمتسببين في التجاوزات والهدر المالي.
اليوم لدينا مجلس تشريعي كامل الأهلية في الرقابة والمساءلة ولديه أدواته الدستورية التي أقواها يتمثل في طرح الثقة، لدينا مجلس يضم 30 عنصراً جديداً نتوسم فيهم أداء أفضل، ولأنهم مختلفون، ولأن كثيراً منهم وعد الناس بالتغيير، ويتضح حرصه على تغيير الصورة النمطية السلبية المأخوذة عن المجالس السابقة، فإننا نتطلع لتعامل مختلف مع التقرير الجديد. نتطلع لجدية أكبر ومحاسبة أقوى، والأهم عدم استخدام التقرير للاستعراض الإعلامي بتحويل إعلامنا وصحافتنا وحتى جلسات مجلس النواب إلى ساحات استعراض وعضلات كلامية، ثم بعدها تخمد فورة الحماس كما كان يحصل سابقاً.
نريد اهتماماً أكبر بالتقرير الجديد، نريد محاسبة أقوى، ونريد أن يكون ما تم رصده أساساً لتقييم كفاءة كثير من المسؤولين، نريد أن تتم المساءلة وحتى طرح الثقة -إن استدعى- بناء على ما يتضمنه التقرير وحجم المخالفات وجسامتها.
لا تدعوا هذا التقرير يفلت من بين أصابعكم يا نواب مثلما فلت الباقون، وما بدأته الدولة والحكومة في العام الماضي بشأن التعامل مع التقارير، نريده أن يتعزز، وأن يكون بشكل أكبر وأقوى.
ليس خطأ أن تأتي متأخراً، لكن الخطأ ألا تأتي، وعليه نقول إن كانت عشرة تقارير لم يتم التعامل معها بجدية وصرامة من قبل القنوات المسؤولة سواء السلطتين التشريعية والتنفيذية، فلماذا لا يكون التقرير الحادي عشر هو بداية التغيير إلى الأفضل في عملية محاربة الأخطاء والتجاوزات؟!
هذه فرصة لإثبات مصداقية شعارات محاربة الفساد الإداري والمالي، فلا تتركوها تمضي.