تطرقنا في مقالنا السابق للصراع الخفي بين الدول ونتائجه المترقبة والغامضة من خلال أزمة النفط العالمية الحالية.
وسنتطرق اليوم لتأثير ما يجري على حياة المواطن في تلك الدول، فأصبح الجميع متوجساً منها ويخشى أن تلاحقه عدوى النفط وتفتك به وتنغص عليه معيشته، حيث ثبت بالتجربة أن جلد المواطن رهيف وشفاف ومن السهل أن تخترقه البكتيريا، على العكس من الحكومات والمتنفذين، فلهم جلود سميكة تصمد أمام الفيروسات مهما كانت شدتها.
لم يلمس المواطن في الدول النفطية على مدى العقدين الماضيين سوى التحسن الطفيف في مستوى معيشته وسلم راتبه مقارنة بين أدنى وأعلى سعر وصله برميل النفط، فلم يتضاعف راتبه مرات «بل تضاعف الكادر الوظيفي المترهل كماً وليس نوعاً، وتضاعفت النفقات والهبات الحكومية غير الضرورية» عندما تدرج سعر البرميل تصاعدياً من عشرين إلى مائة وأربعين دولاراً.
كذلك لم يشعر بالفارق الكبير في الخدمات والبنى التحتية بين الحقبتين؛ بل على العكس تضاعفت عليه أسعار كل السلع الغذائية والخدمية والعقارية وبما لا يتناسب مع مدخوله، وعند حصول أي انتكاسة في أسعار النفط قد تعود عليه تلك الحكومات بضغط النفقات ورفع الدعم عن الخدمات وإعادة النظر في جباية الرسوم الضرائب.
ومن المثير للجدل أن تبقى الأسعار للسلع اليومية في برجها العاجي دون أي تأثر، خاصة للقطاعات التي تسيطر عليها كبريات الشركات والتجار والموردون، والذين تمثل لهم هذه الأزمة الاقتصادية فرصة ذهبية للإبقاء على مستوى الأسعار دون مراعاة لما يطرأ عليها عالمياً، وبذلك سيكون الضرر الذي يقع على المواطن مركباً من وجهين.
بات من واجب الحكومات مثل المحافظة على الأوطان، الحفاظ على من يقطن تلك الأوطان وتجنيبهم أي نوع من المخاطر، خاصة في مجال عيشهم ورزق يومهم، وعلى وجه الخصوص الحفاظ عليه من تقلبات السياسة النفطية وإيجاد آلية لضبط المستوى المعاشي، وبما يتناسب مع المدخول القومي وتفعيل الصندوق السيادي ليكون المواطن بمنأى عن المضاربات والتقلبات التي تعصف به دون ذنب، ويشمل ذلك الإجراء الوقائي للقطاعين العام والخاص، مع إعادة النظر ببرنامج الدعم الحكومي الذي يستنزف المبالغ الطائلة وبطريقة غير متقنة ومدروسة، فمن المفترض أن يكون الدعم موجهاً للمواطن حصراً ولشرائح معينة تستحقه.
كذلك يتوجب على الأفراد والشركات والجمعيات والمنظمات مسؤولية وطنية وأخلاقية ليكونوا رديفاً للحكومات في تحمل جزء من المسؤولية الواقعة على عاتقهم، فليس من الإنصاف أن نطالب الحكومات بتجاوز تلك الأزمات، والكل يرقب وينتظر وكأن الأمر لا يعنيهم بشيء، بل يتحتم تفهم الوضع وإعادة النظر في الكثير من حالات الترف والبذخ والصرف غير المرشد في كثير من جوانب الحياة، ولا نغفل عن مقارعة الفساد الذي هو آفة كبرى لا تقل عن أوجه التآمر والخيانة، فالفاسدون هم كالأرضية التي تنخر في أي شيء أتت عليه ثم إن تمكنت منه أردته صريعاً.
ومثلما نطالب الحكومات بإيجاد بدائل لتنويع الموارد وألا يكون اقتصادها أحادي الجانب!! كذلك يقع على الجميع التفكير الجدي في تنويع مصادر الدخل بالإبداع في جوانب عديدة من الحياة وإحياء نشاطات كانت بالأمس مصدراً مهماً من مداخيلنا كالزراعة والصيد والحرف اليومية ثم الصناعة والسياحة، وصعوداً إلى تنشيط كافة أنواع الاستثمارات لتتشكل لدينا رويداً رويداً قاعدة من مصادر الدخل على المستوى الحكومي والشعبي بما يجعلنا بمنأى عن أي مخاطر على المدى البعيد.
فما أروع أن تمتد وتتحد أواصر الثقة والتعاون بين الحكومات وشعوبها لتخطي الأزمات.