نقف اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة كي نسجل موقفاً ستذكره الأجيال القادمة، وأعتبر نفسى محظوظاً؛ فأنا من جيل شهد مولد مشروع إصلاحي نموذجي يواكب ديمقراطية المرحلة وواكبت قطف ثماره وشهدت مراحل تطوره.
لا مفر هنا من أن أقطع السياق لأتحدث عن أهم مرحلة تاريخية في عمر هذا المشروع الإصلاحي؛ وهي لحظة إشراك المواطن في عمل الحكومة والانتقال الفعلي نحو المواطنة المتساوية والرقابة الشعبية، وربما جاءت هذه اللحظة التاريخية وسط فيض الضجيج المفتعل هذه الأيام، لتكون خير رد على فاقدي الوطنية والأخلاق والفطرة الإنسانية السليمة، ممن يعيشون الوهم ويتصورون أو لايزالون يظنون أن باستطاعتهم فرض إرادتهم أو خياراتهم بالعنف والإرهاب، وكل من لايزال يظن أن بإمكانه أن يرد عقارب الزمن إلى الوراء..
سأبتعد عن المقدمات لأني مدين للقارئ العزيز بشرح الجوهر العميق لبرنامج عمل الحكومة والذي جاء تحت عنوان «نحو مجتمع العدل والأمن والرفاه» وحوى 54 صفحة، والمغزى من تقديم البرنامج للنواب، وأهم سماته وصفاته والنقاط التي يرتكز عليها والعائد منه على المواطن، ونبدأ بالشق الأول.
تقديم برنامج عمل الحكومة إلى السلطة التشريعية هو بمثابة إعلان شراكة بين الحكومة والشعب، حيث يصبح للشعب من خلال نوابه رأي في برنامج الحكومة من خلال الموافقة أو الرفض أو إجراء التعديلات أو إضافة أولويات وأهداف جديدة في البرنامج، وهي إحدى ثمار الحوار الوطني والتعديلات الدستورية.
أما سمات وصفات البرنامج، فقبل أن أشرع في التوضيح، ليكن واضحاً كما كتبت من قبل وأكدت أنه لا إصلاح سياسياً بدون إصلاح اقتصادي، وربما كانت الحكومة واعية إلى أبعد حد إلى هذا المفهوم؛ لذا ارتكز البرنامج على ستة محاور يطغى عليها الطابع الاقتصادي بجانب الأمني، وهي السيادي، والاقتصادي، والتنمية البشرية والخدمات الاجتماعية، والبنية التحتية، والبيئة والتنمية الحضرية، والأداء الحكومي.
ومن هنا سأبدأ من أول السطر والدخول في تفاصيل المحاور، كما أدعو السادة النواب، ليس إلى قراءته فحسب، بل وفهمه أيضاً، على أن يكون المفصل فيما سيقررون هو الأولويات الوطنية بدون عنتريات أو مزايدات أو متاجرة، ولنكن واضحين، أن القرار لا يأتي من هنا أو هناك، بل نابع من النائب نفسه، وأن التجارة بثقة المواطنين وأحلامهم ومعاناتهم هي أخطر تجارة فاسدة، ولهذا فإن لها أكبر زبائن على وجه الأرض.
وإلى التفصيل.. ربما ما يميز برنامج عمل الحكومة أنه حوى تفاصيل التفاصيل، وسأبدأ بالشق الذي يهم المواطن -رغم أن جميع المحاور على درجة واحدة من الأهمية- ولنركز على المحور الاقتصادي والمالي.
ستسعى الحكومة من خلال هذا المحور إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام، تعود فوائده على جميع البحرينيين وذلك من خلال تعزيز الاستثمار الحكومي المشترك مع القطاع الخاص في المشاريع التنموية، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع ريادة الأعمال وتحسين بيئة الاستثمار عن طريق تطوير التشريعات والقوانين، وتطوير وتسهيل آلية تسجيل وترخيص الشركات لإتاحة الفرصة لمزيد من الشركات للاستثمار في المملكة وتعزيز الاستثمار الحكومي المشترك مع القطاع الخاص في المشاريع التنموية.
ثم نأتي على النقطة التي تشغل بال الجميع، وهي الميزانية العامة ومعضلة ارتفاع الدين العام تحت وطأة هبوط أسعار النفط، وكيفية النهوض والتقدم وإزالة الخرائب التي خلفها سراق المال العام وبؤر الفساد.
لكن ذلك سيكون في المقال القادم بإذن الله..