هذا ما أحصاه تقرير ديوان الرقابة المالية؛ فما بالهم بما أحصاه الله؟ وهذا قد يكون قليلاً من كثير وما أخفي وما خبئ وما لم يطلع عليه ديوان الرقابة المالية قد لا يقل فداحة وفظاعة مما خرجوا به، ليس تقليلاً في كفاءة ديوان رقابة المالية ولكن الحيلة والوسيلة دائماً تصاحب أولئك الذين لا يراعون حرمة المال العام، إنها ضياع الأمانة، ولا نتكلم هنا عن فتات أو بعض دريهمات بل هي مئات الملايين التي ضاعت وذابت، وما بقى منها إلا أرقام قد يتم التساهل في محاسبة بعض المؤسسات عليها، وهذا ليس بغريب؛ فكم من التقارير قبلها خرجت ودندن عليها النواب وتناولتها الصحف لنفس المؤسسات، ولكن ماذا حدث وصار؟ ومن حاسب؟ فالمسؤولون باقون في أماكنهم سواء في الشركات الوطنية أو المؤسسات الحكومية، بل منهم من رقي ومنهم من لاتزال يداه حتى اليوم توقع العقود ويخرج في الصحف والأخبار بأنه وقع عقد تدريب وآخر عقد مشروع، وكذلك بالنسبة للمستفيدين من التجار والمقاولين والشركات هم أنفسهم في كل عام، لأن المحاسبة لا تتناسب مع مئات الملايين التي تهدر سنوياً؛ أم أن هذه الملايين تصبح حالها حال القراطيس وما يتبقى منها إلا أعداد وأصفار تنشر في التقارير.
هكذا الحال. كل سنة تقرير يتلوه تقرير؛ لكن أين المحاسبة؟ وهل يمكن أن يتغير الحال هذه السنة بقدوم نواب جدد ضربوا صدورهم وقالوا سنفعل ونقدر؟ ثم أين دور ديوان الرقابة المالية؛ هل ينتهي دورها بعد تسليم التقرير والمسألة بالنسبة لها براءة ذمة، أم يجب أن يكون هناك لجنة متابعة تحاسب وتراقب هذا التقرير وما اتخذ بناء عليه من إجراءات من قبل النيابة؟ ثم ما هو دور النيابة في هذه الحالة؛ هل «ستجرجر» المسؤولين وتحاسبهم؛ أم أنهم سيمرون بسلام ويستمرون في مواقعهم مثل العام وكل عام؟
ما ذكر في التقارير هو حقائق مخيفة ومرعبة تستحق التحقيق الفوري لا تأجيل، خاصة عندما نرى أحكاماً صدرت في موظفين تم حبسهم خمس سنوات لتزوير إجازة مرضية، وحبس من سرق 50 ديناراً 5 سنوات، بينما من يلعب ويبعثر بالملايين ليس عليه حساب ولا ملام، فهذا أمر أخطر من الخطير، وذلك عندما لا يبالي المسؤولون لا بتقرير رقابة ولا نقابة، فهو هو كل سنة؛ تقرير يشير بالتقصير على مسؤولين بعينهم لا يدعي التحري والبحث عنهم، فمنها مؤسسات صغيرة قد لا يتعدى فيها الموظفون العشرين وفيها ضياع عشرات الملايين سنوياً، ومن بعض هذه المؤسسات التي تهدر الأموال دون ضمير ولا خوف من الله ولا تقوم بمهامها بنفسها بل توكله إلى مؤسسات وسيطة تجعل تحت يدهم ميزانية بعشرات الملايين، إضافة إلى عمولتها.
هل هذا شيء معقول؟ وهل هذه حقيقة أم خيال؟ بل هي حقيقة نقرأها يومياً وشهرياً وسنوياً ويعرف بها الداني والبعيد، ولكن عندما يغيب دور المحاسب من السلطة التشريعية، والتي مع الأسف كل عام تفرط في تقرير الرقابة المالية، ولا ندري ما هي الأسباب، كذلك مجلس الشورى لا يشارك ولا يحاسب ولا يبحث في هذه التقرير، بل على العكس فقد كان بعض من أعضاء مجلس الشورى السابق يقف في صف المؤسسات ويدافع عنها ويمتدحها، وهي من المؤسسات التي تضيع عشرات الملايين في مشاريع ليست من اختصاصها، وتوزع مئات الآلاف الدنانير وكأن هذه الملايين خيار وطماطم، وليس كأنها أموال يتم جبايتها من جيوب المواطنين، ومنهم من يدخلون الحبس عندما يعجزون عن تسديدها، وهكذا يمر عام وبعده عام والموظف والمسؤول في نفس هذه المؤسسة وغيرها يترقى وتظهر صورته بالأشكال والألوان، فهو بالتأكيد بريء، فلم يجرجر إلى المحاكم ولم يسأله نائب، بل يؤخذ بالأحضان وعام عن عام يقرب.
فالتقرير وإن كان فيه ضياع حتى ولو كان فلساً وديناراً، يجب ألا يتجاهل من قبل الجهات ذات العلاقة والمسؤولية، وأن عدم إعطاء التقرير حقه في المحاسبة فإنها والله لملامة وأسف شديد بأن تضيع مئات الملايين دون حسيب ولا رقيب.
- كلمة للمسؤولين في هذه المؤسسات..
اتقوا الله، فو الله لو أتقيتم الله حق تقاته لما ضاع دينار ولا فقد مسمار.