ربما يسيل لعاب كل إعلامي وصحافي في البحرين اليوم للكتابة حول ما ورد في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الأخير، والذي يحمل الرقم «11»، فكل ما ورد فيه يعتبر «فتحاً»، وأينما تضرب فيه بعصاك ستتفجر لك ينابيع الفساد من كل حدب وصوب، فالأرقام والوزارات وكل الجهات الممشوقة بهامات الفساد تعطيك الحافز المغري للكتابة، ولو أحببنا متابعة وتقصي ما ورد في التقرير الجديد لكان ذلك كافياً لنا في أن نقوم بالكتابة حول هذا الموضوع فقط طيلة العام 2015.. ولكن.
لكن ما هي الفائدة من الكتابة؟ وما الجدوى من أن نشن حرباً شعواء ضد الفساد والمفسدين حتى من دون أن يتغير الحال؟ وكيف لنا أن نكتب عن مفسد في هذه الأيام، وربما يكون مسؤولاً رفيع المستوى في العام القادم؟ أم ستكون الكتابة مجرد «تنفيه عن خاطر» أو «تنفيس» عما هو محبوس بدواخلنا من قهر نفساني مؤذ؟
ليست المشكلة في الكتابة، وإنما فيما يترتب من ردود أفعال إيجابية ومؤثرة يمكن أن توصل الكثير من الرسائل القوية إلى أرباب الفساد في هذا الوطن، قد تعلمهم مقدار حرص الدولة على أملاكها وثرواتها ونهجها، ومدى حنق المجتمع البحريني على هذا الفساد المستشري والموثق بالأرقام والأدلة، وإلا سيظل تقرير ديوان الرقابة المالية مجرد تحفة رقمية تضاف لبقية التقارير السابقة لتقبع معها في رفوف مجلس النواب والسلطة التنفيذية!
كتبنا في الأعوام السابقة عن تقارير ديوان الرقابة المالية وما ورد فيها وعن بعض تفاصيلها ومخازيها، وحينها طالبنا بمحاسبة المفسدين، ولكن لم يحدث أو يتحقق من تلكم الأمنيات أي شيء يذكر، عند ذلك طرحنا التحدي الأكبر للعلن، معلنين فشل الجهات المعنية بمحاسبة المفسدين، وسنؤكد لكم من الآن، أن الزوبعة التي أحدثها تقرير ديوان الرقابة المالية هذه الأيام، ستكون عاصفة عرضية وطارئة لأيام فقط، فمع أي حدث جديد سيتلاشى الحماس من طرف الإعلاميين وسينشغلون بما هو جديد، حتى صدور التقرير الجديد للعام القادم، وهكذا تختفي الحقيقة ويميع التقرير ويتوارى المفسدون خلف صمت مشبوه وغير مبرر.
مئات الملايين من الدنانير ضاعت في عام واحد، كانت الدولة في أمس الحاجة إليها، كما كانت كفيلة لتغطية عجزها واستخدامها في مشاريع تنموية تصب في صالح الوطن، كما فضح التقرير الأخير عدم استحقاق بعض المسؤولين في الدولة بأن يتحملوا أمانة المنصب ومسؤوليتــه، فكانــوا «الأوادم الغلط» في المكان «الغلط»!
إن أكثر ما يضعف أركان الدولة الحديثة والمدنية في عصرنا الراهن هي كميات الفساد الكبيرة التي تضرب بنيانه وأسسه، فسرقة المال العام والتستر على المفسدين يعتبر جريمة في حق الوطن والإنسان، ومن هذا المنطلق إما أن يحاسب المفسد وفق القانون وإما أن تتوقف التقارير حتى إشعار آخر، فوجود فساد أوضح من الشمس في رابعة النهار لكن من دون وجود مفسدين، لم يكن ليتحقق حتى في أغرب قصص الخيال العلمي وكذلك في قصص ألف ليلة وليلة. فاحترموا عقولنا نرجوكم..